ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من اقوال هؤلاء المشركين فى شأن النبى صلى الله عليه وسلم وفى شأن القرآن الكريم ، وتهددهم بسوء الصمير إذا استمروا فى طغيانهم وجهلهم فتقول : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا . . . فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } .
قوله : { تتلى } من التلاوة ، وهى قراءة الشئ بتدبر وتفهم .
أى : وإذا ما تليت آياتنا الدالة دلالة واضحة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وعلى صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عنا .
{ قَالُواْ مَا هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ } أى : قالوا على سبيل الإِنكار والاستهزاء ، ما هذا التالى لتلك الآيات إلا رجل يريد أن يمنعكم عن عبادة الآلهة التى كان يعبدها آباؤكم الأقدمون .
ويعنون بقولهم { مَا هذا إِلاَّ رَجُلٌ } الرسول صلى الله عليه وسلم ويقصدون بالإِشارة إليه ، الاستخفاف به ، والتحقير من شأنه صلى الله عليه وسلم .
وقالوا : { يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ } لإِثارة حمية الجاهلية فيهم فكأنهم يقولون لهم : احذروا اتباع هذا الرجل ، لأنه يريد أن يجعلهم من أتباعه ، وأن يقطع الروابط التى تربط بينكم وبين آبائكم الذين أنتم قطعة منهم .
ولم يكتفوا بالتشكيك فى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بل أضافوا إلى ذلك التكذب للقرآن الكريم ، ويحكى - سبحانه - ذلك فيقول : { وَقَالُواْ مَا هاذآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } .
أى : وقالوا فى شأن القرآن الكريم : ما هذا الذى يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم علينا ، إلا { إِفْكٌ } أى : كلام مصروف عن وجهه ، وكذب فى ذاته { مُّفْتَرًى } أى : مختلق على الله - تعالى - من حيث نسبته إليه .
فقوله { مُّفْتَرًى } صفة أخرى وصفوا بها القرآن الكريم ، فكأنهم يقولون - قبحهم الله - ما هذا القرآن إلا كذب فى نفسه ، ونسبته إلى الله - تعالى - ليست صحيحة .
ثم أضافوا إلى تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم وللقرآن ، تكذيبا عاما لكل ما جاءهم به الرسول من حق ، فقالوا - كما حكى القرآن عنهم - : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } .
أى : وقال الكافرون فى شأن كل حق جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم : ما هذا الذى جئتنا به إلا سحر واضح .
وهكذا نراهم - لعنادهم وجهلهم - قد كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وكذبوا القرآن . وكذبوا كل توجيه قويم ، وإرشاد حكيم ، أرشدهم إليه صلى الله عليه وسلم إذ اسم الإِشارة الأول يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والثانى يعود إلى القرآن ، والثالث يعود إلى تعاليم الإِسلام كلها .
( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا : ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم . وقالوا : ما هذا إلا إفك مفترى . وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم : إن هذا إلا سحر مبين . وما آتيناهم من كتب يدرسونها ، وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير . وكذب الذين من قبلهم - وما بلغوا معشار ما آتيناهم - فكذبوا رسلي ، فكيف كان نكير ? ) . .
لقد قابلوا الحق الواضح البين الذي يتلوه عليهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] برواسب غامضة من آثار الماضي ، وتقاليد لا تقوم على أساس واضح ، وليس لها قوام متماسك . ولقد أحسوا خطورة ما يواجههم به القرآن الكريم من الحق البسيط المستقيم المتماسك . أحسوا خطورته على ذلك الخليط المشوش من العقائد والعادات والتقاليد التي وجدوا عليها آباءهم فقالوا قولتهم تلك :
( ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ) . .
ولكن هذا وحده لا يكفي . فإن مجرد أنه يخالف ما كان عليه الآباء ليس مطعناً مقنعاً لجميع العقول والنفوس . ومن ثم أتبعوا الادعاء الأول بادعاء آخر يمس أمانة المبلغ ، ويرد قوله أنه جاء بما جاء به من عند الله :
( وقالوا : ما هذا إلا إفك مفترى ) . .
والإفك هو الكذب والافتراء ؛ ولكنهم يزيدونه توكيداً : ( ما هذا إلا إفك مفترى ) . .
ذلك ليشككوا في قيمته ابتداء ، متى أوقعوا الشك في مصدره الإلهي .
( وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم : إن هذا إلا سحر مبين ) . .
فهو كلام مؤثر يزلزل القلوب ، فلا يكفي أن يقولوا : إنه مفترى . فحاولوا إذن أن يعللوا وقعه القاهر في القلوب . فقالوا : إنه سحر مبين !
فهي سلسلة من الاتهامات ، حلقة بعد حلقة ، يواجهون بها الآيات البينات كي يحولوا بينها وبين القلوب . ولا دليل لهم على دعواهم . ولكنها جملة من الأكاذيب لتضليل العامة والجماهير . أما الذين كانوا يقولون هذا القول - وهم الكبراء والسادة - فقد كانوا على يقين أنه قرآن كريم ، فوق مقدور البشر ، وفوق طاقة المتكلمين ! وقد سبق في الظلال ما حدث به بعض هؤلاء الكبراء بعضاً في أمر محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وأمر القرآن ؛ وما دبروا بينهم من كيد ليصدوا به الجماهير عن هذا القرآن الذي يغلب القلوب ويأسر النفوس !
وقوله { وإذا تتلى عليهم آياتنا } ذكر الله تعالى في هذه الآية أقوال الكفرة وأنواع كلامهم عندما يقرأ عليهم القرآن ويسمعون حكمته وبراهينه البينة ، فقائل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يقدح في الأوثان ودين الآباء ، وقائل طعن عليه بأن هذا القرآن مفترى أي مصنوع من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ويدعي أنه من عند الله ، وقائل طعن عليه بأن ما عنده من الرقة واستجلاب النفوس واستمالة الأسماع إنما هو سحر به يخلب ويستدعى ، تعالى الله عن أقوالهم وتقدست شريعته عن طعنهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.