وقوله : { كذلك } خبر لمبتدأ محذوف ، أى : أمر ذى القرنين كذلك من حيث إنه آتاه الله من كل شئ سببا ، فبلغ ملك مشارق الأرض ومغاربها .
وقوله { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } بيان لشمول علم الله - تعالى - بأحوال ذى القرنين الظاهرة والباطنة ، ولأحوال غيره .
أى : كذلك كان شأن ذى القرنين . وقد أحطنا إحاطة تامة وعلمنا علما لا يعزب عنه شئ ، بما كان لدى ذى القرنين من جنود وقوة وآلات . . . وغير ذلك من أسباب الملك والسلطان .
ولقد أعلن ذو القرنين من قبل دستوره في الحكم ، فلم يتكرر بيانه هنا ، ولا تصرفه في رحلة المشرق لأنه معروف من قبل ، وقد علم الله كل ما لديه من افكار واتجاهات .
ونقف هنا وقفة قصيرة أمام ظاهرة التناسق الفني في العرض . . فإن المشهد الذي يعرضه السياق هو مشهد مكشوف في الطبيعة : الشمس ساطعة لا يسترها عن القوم ساتر . وكذلك ضمير ذي القرنين ونواياه كلها مكشوفة لعلم الله . . وكذلك يتناسق المشهد في الطبيعة وفي ذي القرنين على طريقة التنسيق القرآنية الدقيقة .
وأما قوله : كَذَلِكَ فإن معناه : ثم أتبع سببا كذلك ، حتى إذا بلغ مطلع الشمس وكذلك : من صلة أتبع . وإنما معنى الكلام : ثم أتبع سببا ، حتى بلغ مطلع الشمس ، كما أتبع سببا حتى بلغ مغربها .
وقوله : وَقَدْ أحَطْنا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرا يقول : وقد أحطنا بما عند مطلع الشمس عالما ، لا يخفى علينا مما هنالك من الخلق وأحوالهم وأسبابهم ، ولا من غيرهم ، شيء . وبالذي قلنا في معنى الخبر ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : خُبْرا قال : علما .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله كَذَلكَ وَقَدْ أحَطْنا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرا قال : علما .
{ كذلك } أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك ، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار . ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو { نجعل } أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم . { وقد أحطنا بما لديه } من الجنود الآلات والعدد والأسباب . { خُبراً } علما تعلق بظواهره وخفاياه ، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير .
الكاف للتشبيه ، والمشبه به شيء تضمنه الكلام السابق بلفظه أو معناه .
والكاف ومجرورها يجوز أن يكون شِبه جملة وقع صفة لمصدر محذوف يدلّ عليه السياق ، أي تشبيهاً مماثلاً لما سمعت .
واسم الإشارة يشير إلى المحذوف لأنه كالمذكور لتقرر العلم به ، والمعنى : من أراد تشبيهه لم يشبهه بأكثر من أن يشبهه بذاته على طريقة ما تقدم في قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) .
ويجوز أن يكون جزء جملة حذف أحد جزأيها والمحذوف مبتدأ . والتقدير : أمر ذي القرنين كذلك ، أي كما سمعت .
ويجوز أن يكون صفة لـ قَوْماً أي قوماً كذلك القوم الذين وجدهم في مغرب الشمس ، أي في كونهم كفاراً ، وفي تخييره في إجراء أمرهم على العقاب أو على الإمهال . ويجوز أن يكون المجرور جزء جملة أيضاً جلبت للانتقال من كلام إلى كلام فيكون فصل خطاب كما يقال : هذا الأمر كذا .
وعلى الوجوه كلها فهو اعتراض بين جملة { ثم أتبع سبباً حتى إذا بلغ مطلع الشمس } الخ . . . وجملة { ثم أتبع سبباً حتى إذا بلغ بين السدين } [ الكهف : 92 ، 93 ] الخ
هذه الجملة حال من الضمير المرفوع في { ثم اتبع } .
و { بِما لَدَيهِ } : ما عنده من عظمة الملك من جند وقوّة وثروة .
والخبرُ بضم الخاء وسكون الموحدة : العلم والإحاطة بالخبر ، كناية عن كون المعلوم عظيماً بحيث لا يحيط به علماً إلاّ علاّم الغيوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.