ثم أتبع - سبحانه - هذا الكرم الحكيم فى الدعوة إلى الحق ، بكلام لا يقل عنه حكمة وبلاغة فقال : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أى : وقل لهم للمرة الثالثة - أيها الرسول الكريم - أنتم - أيها المشركون - لا تسألون يوم القيامة عن إجارمنا فى حق أنفسنا - إن كنا قد أجرمنا وأخطأنا فى حقها - ، ونحن - أيضا - لا يسألنا الله - تعالى - عن سبب بقائكم فى الكفر وفى الأعمال السيئة ، لأننا قد بلغناكم رسالة ربكم - عز وجل - ونصحناكم بالإِقلاع عن الشرك والمعاصى .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - ، { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ }
ومنه كذلك الإيقاع الثالث ، الذي يقف كل قلب أمام عمله وتبعته ، في أدب كذلك وقصد وإنصاف :
( قل : لا تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل عما تعملون ) . .
ولعل هذا كان رداً على اتهام المشركين بأن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه هم المخطئون الجارمون ! وقد كانوا يسمونهم : ( الصابئين )أي المرتدين عن دين الآباء والأجداد . وذلك كما يقع من أهل الباطل أن يتهموا أهل الحق بالضلال ! في تبجح وفي غير ما استحياء !
( قل : لا تسألون عما أجرمنا ، ولا نسأل عما تعملون ) . .
فلكل عمله . ولكل تبعته ولكل جزاؤه . . وعلى كل أن يتدبر موقفه ، ويرى إن كان يقوده إلى فلاح أو إلى بوار .
وبهذه اللمسة يوقظهم إلى التأمل والتدبر والتفكر . وهذه هي الخطوة الأولى في رؤية وجه الحق . ثم في الاقتناع .
وقوله : { قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } : معناه التبري منهم ، أي : لستم منا ولا نحن منكم ، بل ندعوكم إلى الله وإلى توحيده وإفراد العبادة له ، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم ، وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم بُرآء منا ، كما قال تعالى : { وَإِنْ {[24337]} كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ] ، وقال : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ . وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ سورة الكافرون ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ تُسْأَلُونَ عَمّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبّنَا ثُمّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقّ وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء المشركين : أحد فريقينا على هدى والاَخر على ضلال ، لا تُسْألون أنتم عما أجرمنا نحن من جرم ، وركبنا من إثم ، ولا نُسأَلُ نحن عما تعملون أنتم من عمل ، قل لهم : يجمع بيننا ربنا يوم القيامة عنده ، ثم يفتح بيننا بالحقّ . يقول : ثم يقضي بيننا بالعدل ، فيتبين عند ذلك المهتدي منا من الضالّ وَهُوَ الفَتّاحُ العَلِيمُ يقول : والله القاضي العليم بالقضاء بين خلقه ، لأنه لا تخفى عنه خافية ، ولا يحتاج إلى شهود تعرّفه المُحقّ من المبطل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبّنا يوم القيامة ثُمّ يَفْتَحُ بَيْنَنا : أي يقضي بيننا .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَهُوَ الفَتّاحُ العَلِيمُ يقول : القاضي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.