محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُل لَّا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّآ أَجۡرَمۡنَا وَلَا نُسۡـَٔلُ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (25)

{ قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون } أي قل لهؤلاء المشركين : لا تسألون عما أجرمنا من جرم وركبنا من إثم ، ولا نسأل نحن عما تعملون من عمل .

قال ابن كثير : معناه التبري منهم . أي لستم منا ولا نحن منكم . بل ندعوكم إلى الله تعالى وإلى توحيده وإفراد العبادة له . فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم و إن كذبتم فنحن براء منكم وأنتم براء منا . كما قال تعالى{[6280]} { وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون } وكقوله{[6281]} { قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد } السورة . انتهى .

وما ذكره معنى دقيق ، قل من يتفطن له ، أسميه التفسير بالأشباه والنظائر . وهو حمل آية موجزة أو مجملة على آية تشبهها مطولة أو مبينة . ولا يدرك هذا إلا الراسخ في فن التأويل ، الولع بتدبر التنزيل ، ومن لطائف الآية ما ذكره الزمخشري والمنتصف ، من أن هذا القول أدخل في الإنصاف من الأول . حيث أسند الإجرام إلى النفس ، وأراد به الزلات والصغائر التي لا يخلو عنها مؤمن وأسند العمل إلى المخاطبين وأراد به الكفر والمعاصي والكبائر . فعبر عن الهفوات بما يعبر به عن العظائم . وعن العظائم بما يعبر به عن الهفوات ، التزاما للإنصاف . وزيادة على ذلك ، أنه ذكر الإجرام المنسوب إلى النفس بصياغة الماضي ، الذي يعطى تحقيق المعنى . وعن العمل المنسوب إلى الخصم بما لا يعطي ذلك . والله أعلم .


[6280]:[10/يونس/41].
[6281]:[109/الكافرون/1-3].