واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات } يعود إلى هؤلاء المؤمنين الموصوفين بتلك الصفات الجليلة .
وهذه الجملة خبر عن قوله - تعالى - : { إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } وما عطف عليه ، فاسم " إن " : أربع موصولات ، وخبرها جملة { أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات . . } .
أى : أولئك الموصوفون بتلك الصفات ، يبادرون برغبة وسرعة إلى فعل الخيرات ، وإلى الوصول إلى ما يرضى الله - تعالى - { وَهُمْ لَهَا } أى : لهذه الخيرات وما يترتب عليها من فوز وفلاح { سَابِقُونَ } لغيرهم .
وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات ، وهم الذين يسبقون لها فينالونها في الطليعة ، بهذه اليقظة ، وبهذا التطلع ، وبهذا العمل ، وبهذه الطاعة . لا أولئك الذين يعيشون في غمرة ويحسبون لغفلتهم أنهم مقصودون بالنعمة ، مرادون بالخير ، كالصيد الغافل يستدرج إلى مصرعه بالطعم المغري . ومثل هذا الطير في الناس كثير ، يغمرهم الرخاء ، وتشغلهم النعمة ، ويطغيهم الغنى ، ويلهيهم الغرور ، حتى يلاقوا المصير !
وقوله : أُولَئِكَ يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه الصفات صفاتهم ، يبادرون في الأعمال الصالحة ويطلبون الزلفة عند الله بطاعته . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أُولَئكَ يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ .
وقوله : وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ كان بعضهم يقول : معناه : سبقت لهم من الله السعادة ، فذلك سبوقهم الخيرات التي يعملونها . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَهُمْ لَها سَابِقُونَ يقول : سبقت لهم السعادة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَهُمْ لَهَا سابِقُونَ ، فتلك الخيرات .
وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى : وهم إليها سابقون . وتأوّله آخرون : وهم من أجلها سابقون .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله ابن عباس ، من أنه سبقت لهم من الله السعادة قبل مسارعتهم في الخيرات ، ولما سبق لهم من ذلك سارعوا فيها .
وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالكلام لأن ذلك أظهر معنييه ، وأنه لا حاجة بنا إذا وجهنا تأويل الكلام إلى ذلك ، إلى تحويل معنى «اللام » التي في قوله : وَهُمْ لَهَا إلى غير معناها الأغلب عليها .
{ أولئك يسارعون في الخيرات } يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها ، أو يسارعون في نيل الخيرات الدنيوية الموعودة على صالح الأعمال بالمبادرة إليها كقوله تعالى { فآتاهم ثواب الدنيا } فيكون إثباتا لهم ما نفي عن أضدادهم . { وهم لها سابقون } لأجلها فاعلون السبق أو سابقون الناس إلى الطاعة أو الثواب أبو الجنة ، أو سابقونها أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا كقوله تعالى : { هم لها عاملون } .
وقرأ الجمهور «يسارعون » وقرأ الحر النحوي «يسرعون وأنهم إليها سابقون » ، وهذا قول بعضهم في قوله لها ، وقالت فرقة : معناه وهم من أجلها سابقون ، فالسابق على هذا التأويل هو إلى رضوان الله تعالى وعلى الأول هو إلى الخيرات ، وقال الطبري عن ابن عباس : المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها ورجحه الطبري بأن اللام متمكنة في المعنى{[8509]} .
خبر { إن } جملة { أولئك يسارعون في الخيرات } .
وافتتح باسم الإشارة لزيادة تمييزهم للسامعين لأن مثلهم أحرياء بأن يعرفوا .
وتقدم الكلام على معنى { يسارعون في الخيرات } آنفاً .
ومعنى { وهم لها سابقون } أنهم يتنافسون في الإكثار من أعمال الخير ، فالسبق تمثيل للتنافس والتفاوت في الإكثار من الخيرات بحال السابق إلى الغاية ، أو المعنى وهم محرزون لما حرصوا عليهم ، فالسبق مجاز لإحراز المطلوب لأن الإحراز من لوازم السبق .
وعلى التقديرين فاللام بمعنى ( إلى ) . وقد قيل إن فعل السبق يتعدى باللام كما يتعدى ب ( إلى ) . وتقديم المجرور للاهتمام ولرعاية الفاصلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.