محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِلَّا عَجُوزٗا فِي ٱلۡغَٰبِرِينَ} (171)

{ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا } وهي امرأته . كما بينت في آيات { فِي الْغَابِرِينَ } أي مقدرا كونها من الباقين في العذاب . لأنها كانت راضية بعمل قومها .

لطيفة :

قال الناصر في ( الانتصاف ) : كثيرا ما ورد في القرآن ، خصوصا في هذه السورة ، العدول عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالصفة المشتقة . ثم جعل الموصوف بها واحدا من جمع . كقول فرعون {[5937]} : { لأجعلنك من المسجونين } وقولهم {[5938]} : { سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين } وقولهم {[5939]} : { لتكونن من المرجومين } وقوله {[5940]} : { إني لعملكم من القالين } وقوله تعالى {[5941]} في غيرها : { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } وكذلك {[5942]} : { ذرنا نكن مع القاعدين } وأمثاله كثيرة . والسر في ذلك ، والله أعلم ، أن التعبير بالفعل ، إنما يفهم وقوعه خاصة . وأما التعبير بالصفة ، ثم جعل الموصوف بها واحدا من جمع ، فإنه يفهم أمرا زائدا على وقوعه . وهو أن الصفة المذكورة ، كالسمة للموصوف ثابتة العلوق به . كأنها لقب . وكأنه من طائفة صارت كالنوع المخصوص المشهور ببعض السمات الرديئة . واعتبر ذلك لو قلت ( رضوا بأن يتخلفوا ) لما كان في ذلك مزيد على الإخبار بوقوع التخلف منهم لا غير . وانظر إلى المساق وهو قوله : { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } كيف ألحقهم لقبا رديئا ، وصيرهم من نوع رذل مشهور بسمة التخلف ، حتى صارت له لقبا لاحقا به . وهذا الجواب عام في جميع ما يرد عليك من أمثال ذلك . فتأمله واقدره قدره


[5937]:(26 الشعراء 29).
[5938]:(26 الشعراء 136).
[5939]:(26 الشعراء 116).
[5940]:(26 الشعراء 168).
[5941]:(9 التوبة 87).
[5942]:(9 التوبة 86).