محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّهَا شَجَرَةٞ تَخۡرُجُ فِيٓ أَصۡلِ ٱلۡجَحِيمِ} (64)

{ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً } أي محنة وعذابا { لِّلظَّالِمِينَ* إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُهَا } أي حملها { كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ } أي مثل ما يتخيل ويتوهم من قبح رؤوس الشياطين . فهي قبيحة الأصل والثمر والمنظر والملمس . قال الزمخشري : وشبه برؤوس الشياطين دلالة على تناهيه في الكراهية وقبح المنظر . لأن الشيطان مكروه مستقبح في طباع الناس ، لاعتقادهم أنه شر محض لا يخلطه خير . فيقولون في القبيح الصورة ( كأنه وجه شيطان ) ( كأنه رأس شيطان ) وإذا صوره المصورون جاءوا بصورته على أقبح ما يقدر وأهوله . كما أنهم اعتقدوا في الملك أنه خير محض لا شر فيه . فشبهوا به الصورة الحسنة . قال الله تعالى : {[6360]} { ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم } وهذا تشبيه تخييليّ . انتهى . أي لأمر مركوز في الخيال . وبه يندفع ما يقال إنه تشبيه بما لا يعرف ، وذلك لأنه لا يشترط أن يكون معروفا في الخارج . بل يكفي كونه مركوزا في الذهن والخيال ، / ألا ترى امرأ القيس {[6361]}- وهو ملك الشعراء يقول :

ومسنونة زرق كأنياب أغوال .

وهو لم ير الغول . والغول نوع من الشياطين ، لأنه في خيال كل أحد مرتسم بصورة قبيحة ، وإن كان قابلا للتشكل .


[6360]:[12/يوسف/31].
[6361]:البيت: أيقتلني والمشرفيّ مُضاجعي *** مسننة زرق كأنياب الأغول من قصيدته التي مطلعها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في العصر الخالي انظر الصفحة رقم 27 من الديوان (طبعة دار المعارف).