الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَصۡطَفَى ٱلۡبَنَاتِ عَلَى ٱلۡبَنِينَ} (153)

يبتدئ " أصطفى " على معنى التقريع والتوبيخ كأنه قال : ويحكم " أصطفى البنات " أي : اختار البنات وترك البنين . وقراءة العامة " أصطفى " بقطع الألف ؛ لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ، فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوح مقطوعة على حالها مثل : " أطلع الغيب " على ما تقدم . وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وحمزة " اصطفى " بوصل الألف على الخبر بغير استفهام . وإذا ابتدأ كسر الهمزة . وزعم أبو حاتم أنه لا وجه لها ؛ لأن بعدها " ما لكم كيف تحكمون " فالكلام جار على التوبيخ من جهتين : إحداهما أن يكون تبيينا وتفسير لما قالوه من الكذب .

ويكون " ما لكم كيف تحكمون " منقطعا مما قبله . والجهة الثانية أنه قد حكى النحويون - منهم الفراء - أن التوبيخ يكون باستفهام وبغير استفهام كما قال جل وعز : " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " [ الأحقاف : 20 ] . وقيل : هو على إضمار القول ، أي ويقولون " أصطفى البنات " . أو يكون بدلا من قوله : " ولد الله " لأن ولادة البنات واتخاذهن اصطفاه لهن ، فأبدل مثال الماضي من مثال الماضي فلا يوقف على هذا على " لكاذبون " .