الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{۞فَنَبَذۡنَٰهُ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٞ} (145)

قوله تعالى : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم } ، وأنبتنا عليه شجرة من يقطين روي أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل . وقال ابن قسيط عن أبي هريرة : طرح يونس بالعراء وأنبت الله عليه يقطينة ، فقلنا : يا أبا هريرة وما اليقطينة ؟ قال : شجرة الدباء ، هيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو هشاش الأرض - فتفشج عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خرج به - يعني الحوت - حتى لفظه في ساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس لم ينقص من خلقه شيء .

{ فنبذناه } : طرحناه ، وقيل : تركناه . { بالعراء } : بالصحراء ؛ قال ابن الأعرابي و الأخفش : بالفضاء ، وقال أبو عبيدة : الواسع من الأرض ، وقال الفراء : العراء المكان الخالي ، وقال أبو عبيدة : العراء وجه الأرض ، وأنشد لرجل من خزاعة :

ورفعتُ رِجْلاً لا أخافُ عِثَارَهَا *** ونَبَذْتُ بالبلد العَرَاءِ ثيابي

وحكى الأخفش في قوله : { وهو سقيم } : جمع سقيم : سقمى وسقامى وسقام ، وقال في هذه السورة : { فنبذناه بالعراء } وقال في " ن والقلم " : { لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم } [ القلم : 49 ] والجواب : أن الله عز وجل خبر ها هنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم ولولا رحمة الله عز وجل لنبذ بالعراء وهو مذموم ، قاله النحاس .