الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَصۡطَفَى ٱلۡبَنَاتِ عَلَى ٱلۡبَنِينَ} (153)

قوله : { أَصْطَفَى } : العامَّةُ على فتحِ الهمزة على أنها همزةُ استفهامٍ بمعنى الإِنكارِ والتقريعِ ، وقد حُذِفَ معها همزةُ الوَصْلِ استغناءً عنها . وقرأ نافعٌ في روايةٍ وأبو جعفر وشيبةُ والأعمش بهمزةِ وَصْلٍ تَثْبُتُ ابتداءً وتَسْقُطُ دَرْجاً . وفيه وجهان : أحدُهما : أنَّه على نيةِ الاستفهامِ ، وإنما حُذِفَ للعِلْمِ به . ومنه قولُ عُمَرَ بن أبي ربيعة :

ثم قالُوا تُحِبُّها ، قلتُ بَهْراً *** عددَ الرَّمْلِ والحَصَى والترابِ

أي : أتُحبها .

والثاني : أن هذه الجملةَ بَدَلٌ من الجملة المحكيَّةِ بالقول ، وهي " وَلَدَ اللَّهُ " أي : يقولون كذا ، ويقولون : اصطفى هذا الجنسَ على هذا الجنس . قال الزمخشري : " وقد قرأ بها حمزةُ والأعمشُ . وهذه القراءة وإنْ كان هذا مَحْمَلَها فهي ضعيفةٌ . والذي أَضْعَفَها أنَّ الإِنكارَ قد اكتنف هذه الجملةَ مِنْ جانَبيْها ، وذلك قولُه : " وإنهم لَكاذبون " ، { مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } فمَنْ جَعَلَها للإَثباتِ فقد أَوْقَعها دخِيلةً بين نَسِيبَيْنِ " . قال الشيخ : " وليسَتْ دخيلةً بين نَسِيْبَيْن ؛ لأنَّ لها مناسَبةً ظاهرةً مع قولِهم : " وَلَدَ اللَّهُ " . وأمَّا قولُه : " وإنهم لَكاذبون " فهي جملةُ اعتراضٍ بين مقالتَيْ الكفرة جاءَتْ للتنديدِ والتأكيدِ في كَوْنِ مقالتِهم تلك هي مِنْ إفْكِهم " .

ونَقَلَ أبو البقاء أنه قُرِئ " آصْطفى " بالمدِّ . قال : " وهو بعيدٌ جداً " .