الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّـٰرِعُونَ} (64)

ومعنى " أأنتم تزرعونه " أي تجعلونه زرعا{[14661]} . وقد يقال : فلان زراع كما يقال حراث ، أي يفعل ما يؤول إلى أن يكون زرعا يعجب الزراع . وقد يطلق لفظ الزرع على بذر الأرض وتكريبُها تجوزا .

قلت : فهو نهي إرشاد [ وأدب ]{[14662]} لا نهي حظر وإيجاب ، ومنه قوله عليه السلام : ( لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي وليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي ) وقد مضى في " يوسف{[14663]} " القول فيه . وقد بالغ بعض العلماء فقال : لا يقل حرثت فأصبت ، بل يقل : أعانني الله فحرثت ، وأعطاني بفضله ما أصبت . قال الماوردي : وتتضمن هذه الآية أمرين ، أحدهما : الامتنان عليهم بأن أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم . الثاني : البرهان الموجب للاعتبار ؛ لأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذره ، وانتقال إلى استواء حال من العفن والتتريب حتى صار زرعا أخضر ، ثم جعله قويا مشتدا أضعاف ما كان عليه ، فهو بإعادة من أمات أخف عليه وأقدر ، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السليمة .


[14661]:زيادة يقتضيها السياق.
[14662]:الزيادة: من ب، ز، ح، س، ل، هـ.
[14663]:راجع جـ 9 ص 194.