اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّـٰرِعُونَ} (64)

قال أبو هريرة : ألم تسمعوا قول الله تعالى : { أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون }{[54982]} .

قال القرطبي{[54983]} : «والمستحبّ لكل من زرع أن يقرأ بعد الاستعاذة : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } الآية ، ثم تقول : بل الله هو الزارع ، والمنبت والمبلغ ، اللهم صل على محمد ، وارزقنا ثمره ، وجَنِّبْنا ضرره ، واجعلنا لأنعمك من الشَّاكرين ، ويقال : إنَّ هذا القول أمان لذلك الزَّرع من جميع الآفات : الدُّود والجراد وغير ذلك ، سمعناه من ثقة وجرَّبناه فوجدناه كذلك » .

فإن قيل : إذا كان الزَّارع هو الله ، فكيف قال تعالى : { يُعْجِبُ الزُّرّاع } [ الفتح : 29 ] .

وقال عليه الصلاة والسلام : «الزَّرْعُ للزُّراع »{[54984]}

فالجواب{[54985]} : أن الحرث أوائل الزَّرع ، والزرع أواخر الحرث ، فيجوز إطلاق أحدهما على الآخر لاتِّصاله به .

ومعنى : «أأنْتُمْ تزرَعُونَهُ » ، تجعلونه ، وقد يقال : فلان زَرَّاع كما يقال : حرَّاث أي : يفعل ما يؤول إلى أن يصير زَرْعاً ، وقد يطلق لفظ الزَّرْع على بَذْر الأرض وتكريبها تجوزاً .

قال القرطبي{[54986]} : «وهذا نهي إرشاد وأدب ، لا حظر وإيجاب » .

ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : «لا يَقُولنَّ أحدُكم : عَبْدِي وأمَتِي ، وليقُلْ : غُلامِي وجَاريَتِي وفَتَايَ وفَتَاتِي »{[54987]} .


[54982]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/652) والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/311 -312) رقم (5217) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/130) وزاد نسبته إلى البزار وابن مردويه وأبي نعيم من حديث أبي هريرة.
[54983]:ينظر: القرطبي 27/141.
[54984]:ذكره الصنعاني في "سبل السلام" (3/60) وقال: لم يخرجه أحد وكذلك الشوكاني في "نسل الأوطار" (5/272) وقال ولم أقف عليه.
[54985]:ينظر: التفسير الكبير 29/157.
[54986]:الجامع لأحكام القرآن 17/141.
[54987]:أخرجه مسلم 4/1764 في كتاب الألفاظ من الأدب، باب: إطلاق لفظة العبد (13- 14/2249).