وفي ظل هذا المثل الذي تخايل فيه النعمة والرزق ، كما يخايل فيه المنع والحرمان ، يأمرهم بالأكل مما أحل لهم من الطيبات وشكر الله على نعمته إن كانوا يريدون أن يستقيموا على الإيمان الحق بالله ، وأن يخلصوا له العبودية خالصة من الشرك ، الذي يوحي إليهم بتحريم بعض الطيبات على أنفسهم باسم الآلهة المدعاة :
( فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ، واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ) .
وقوله : { فكلوا مما رزقكم الله } ، الآية ، هذا ابتداء كلام آخر ، ومعنى حكم ، والفاء في قوله : { فكلوا } الصلة الكلام واتساق الجمل ، خرج من ذكر الكافرين والميل عليهم إلى أمر المؤمنين بشرع ما فوصل الكلام بالفاء وليست المعاني موصولة ، هذا قول ، والذي عندي أن الكلام متصل المعنى ، أي : وأنتم المؤمنون لستم كهذه القرية ، { فكلوا } واشكروا الله على تباين حالكم من حال الكفرة ، وهذه الآية هي بسبب أن الكفار كانوا سنوا في الأنعام سنناً وحرموا بعضاً وأحلوا بعضاً ، فأمر الله تعالى المؤمنين بأكل جميع الأنعام التي رزقها الله عباده . وقوله : { حلالاً } ، حال ، وقوله : { طيباً } ، أي : مستلذاً ، ووقع النص في هذا على المستلذات ، ففيه ظهور النعمة ، وهو عظم النعم وإن كان الحلال قد يكون غير مستلذ ، ويحتمل أن يكون الطيب بمعنى الحلال ، وكرره مبالغة وتوكيداً ، وباقي الآية بين ، قوله : { إن كنتم إياه تعبدون } ، إقامة للنفوس ، كما تقول لرجل : إن كنت من الرجال فافعل كذا ، على معنى إقامة نفسه ، وذكر الطبري : أن بعض الناس قال : نزلت هذه الآية خطاباً للكافر عن طعام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم في جوعهم ، وأنحى الطبري على هذا القول ، وكذلك هو فاسد من غير وجه .
تفريع على الموعظة وضرببِ المثل ، وخوطب به فريق من المسلمين كما دلّ عليه قوله : { إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة } [ سورة النحل : 114 ، 115 ] إلى آخره .
ولعلّ هذا موجّه إلى أهل هجرة الحبشة إذ أصبحوا آمنين عند ملك عادل في بلد يَجدون فيه رزقاً حلالاً وهو ما يُضافون به وما يكتسبونه بكدّهم ، أيْ إذا علمتم حال القرية الممثّل بها أو المعرّض بها فاشكروا الله الذي نجّاكم من مثل ما أصاب القرية ، فاشكروا الله ولا تكفروه كما كفر بنعمته أهل تلك القرية . فقوله : { واشكروا نعمت الله } مقابل قوله في المثل : { فكفرت بأنعم الله } [ سورة النحل : 112 ] إن كنتم لا تعبدون غيره كما هو مقتضى الإيمان .
وتعليق ذلك بالشرط للبعث على الامتثال لإظهار صدق إيمانهم .
وإظهار اسم الجلالة في قوله : { واشكروا نعمت الله } مع أن مقتضى الظاهر الإضمار لزيادة التذكير ، ولتكون جملة هذا الأمر مستقلّة بدلالتها بحيث تصحّ أن تجري مجرى المثل .
وقيل : هذه الآية نزلت بالمدينة ( والمعنى واحد ) وهو قول بعيد .
والأمر في قوله : { فكلوا } للامتنان . وإدخال حرف التفريع عليه باعتبار أن الأمر بالأكل مقدمة للأمر بالشكر وهو المقصود بالتّفريع . والمقصود : فاشكروا نعمة الله ولا تكفروها فيحلّ بكم ما حلّ بأهل القرية المضروبة مثلاً .
والحلال : المأذون فيه شرعاً . والطيّب : ما يطيب للناس طعمه وينفعهم قُوتهُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.