في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ} (97)

53

واستعاذة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من همزات الشياطين ودفعاتهم - وهو معصوم منها - زيادة كذلك في التوقي ، وزيادة في الالتجاء إلى الله ، وتعليم لأمته وهو قدوتها وأسوتها ، أن يتحصنوا بالله من همزات الشياطين في كل حين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ} (97)

وأمره بالتعوذ من الشيطان في «همزاته » وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه ، وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار فتقع المحادة{[8541]} ، فلذلك اتصلت بهذه الآية ، وقال ابن زيد : «همز الشيطان » الجنون .

قال الفقيه الإمام القاضي : وفي مصنف أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان ، همزه ونفخه ونفثه »{[8542]} قال أبو داود همزه الُموتة وهي الجنون{[8543]} ونفخه الكبر ونفثه السحر .

قال الفقيه الإمام القاضي : والنزعات وسورات الغضب من الشيطان وهي المتعوذ منها في الآية ، والتعوذ من الجنون أيضاً وكيد ، وفي قراءة أبي بن كعب «ربي عائذاً بك من همزات الشيطان وعائذاً بك رب أن يحضرون » ،


[8541]:الحدة: الغضب والغلظة في القول، والعنف في المجادلة والحوار، والمحادة: المخالفة والمعاداة والمنازعة، وهي مفاعلة من الحد، كأن كل واحد منهما يجاوز حده إلى الآخر.
[8542]:والحديث أيضا في مسند الإمام أحمد، (3 ـ 50، 5 ـ 253)، ولفظه فيه عن أبي أمامة الباهلي: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث مرات، ثم قال: لا إله إلا الله ثلاث مرات، وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه).
[8543]:ذكر في اللسان (همز) الحديث كما سبق ثم زاد عليه: "يا رسول الله، ما همزه ونفثه ونفخه؟ قال: أما همزه فالموتة، وأما نفثه فالشعر، وأما نفخه فالكبر"، وساق هذا على أنه جزء من الحديث، والتفسير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم حكى بعد ذلك عن أبي عبيدة أن الموتة هي الجنون. وفي كتاب (النهاية في غريب الحديث والأثر) "الهمز: الموتة، الهمز: النخس والغمز، وكل شيء دفعته فقد همزته، والموتة: الجنون، والهمز أيضا: الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ} (97)

الظاهر أن يكون المعطوف موالياً للمعطوف هو عليه ، فيكون قوله { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين } متصلاً بقوله : { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } [ المؤمنون : 96 ] فلما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يفوض جزاءهم إلى ربه أمره بالتعوذ من حيلولة الشياطين دون الدفع بالتي هي أحسن ، أي التعوذ من تحريك الشيطان داعية الغضب والانتقام في نفس النبي صلى الله عليه وسلم فيكون { الشياطين } مستعملاً في حقيقته . والمراد من همزات الشياطين : تصرفاتهم بتحريك القوى التي في نفس الإنسان ( أي في غير أمور التبليغ ) مثل تحريك القوة الغضبية كما تأول الغزالي في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث " ولكن الله أعانني عليه فأسْلم " . ويكون أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالتعوذ من همزات الشياطين مقتضياً تكفل الله تعالى بالاستجابة كما في قوله تعالى : { ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } [ البقرة : 286 ] ، أو يكون أمره بالتعوذ من همزات الشياطين مراداً به الاستمرار على السلامة منهم . قال في « الشفاء » : الأمة مجتمعة ( أي مجمعة ) على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان لا في جسمه بأنواع الأذى ، ولا على خاطره بالوساوس .