تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ} (97)

الآيتان 97 و 98 : وقوله تعالى : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين }{ وأعوذ بك رب أن يحضرون }كقوله{[13545]} : في آية أخرى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله }( الأعراف : 200 وفصلت : 36 ) علم رسوله ، وأمره أن يتعوذ به من الشيطان الرجيم اللعين إذا نزغه ، ونزغه ، ( وسوس له ) {[13546]} . وأمره أن يتعوذ من همزه أيضا ، وهو همه وقصده بذلك ، وأمره أن يتعوذ به من حضورهم مكان الوسوسة حتى ( يدفعهم عنه ولا يحضروا ) ذلك المكان .

وكان التعوذ من نزغهم ليدفع عنه لئلا يؤثروا في نفسه بعد ما حضروه( ووسوسوا له ){[13547]} والتعوذ من همزهم هو أن يدفع عنه{[13548]} طعنهم ونخسهم لئلا يشغلوه بالذي قصدوه به ، والتعوذ من حضورهم مكان الوسوسة .

قال الحسن : همز الشيطان الموتة ، والموتة غشيان القلب .

روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ من الشيطان الرجيم من{[13549]} همزه ونفخه ونفثه ( أبو داود 764 ) وقال بعضهم : همزاته ونزغاته واحد .

وقال القتبي : همزات الشياطين نخسها وطعنها ، ومنه قيل للعائب : همزة لأنه{[13550]} يطعن ، ويعيب .

قال أبو عوسجة : همزات الشياطين وساوسهم ، يقال : همز يهمز همزا ، أي وسوس ، ومن وجه آخر : همز يهمز همزا ، أي عاب يعيب ، ومنه قوله تعالى : { ويل لكل همزة لمزة }( الهمزة : 1 ) .

ثم في قوله : { وقل ربي أعوذ بك من همزات الشياطين }إلى آخر ما ذكر وجهان على المعتزلة : أحدهما : أنه أمر رسوله ( أن يتعوذ به ){[13551]} مما ذكر ، فدل أن عنده لطفا ، لم يعطه ، ما لو أعطاه لدفع به ما ذكر ، وأنه مالك لذلك ؛ إذ لو كان غيره مالكا{[13552]} لذلك لخرج السؤال به الهزء به ، إذ من طلب من آخر شيئا ، يعلم أنه ليس عنده ذلك ، خرج ذلك الطلب مخرج الهزء به فعلى ذلك هذا .

والثاني : أن كل مأمور بالتعوذ جعل الله له لإعادة عما يتعوذ عنه .

فالوجهان ينقضان على التعوذ قولهم : إن الله قد أعطى كلا الأصلح في الدين ، وأعطى كلا العصمة عن كل زيغ وضلال .


[13545]:في الأصل وم: وقال.
[13546]:في الأصل وم: وسوسه.
[13547]:في الأصل وم: ووسوسوه.
[13548]:في الأصل وم: عنهم.
[13549]:أدرج قبلها في الأصل وم: قال في.
[13550]:في الأصل وم: كأنه.
[13551]:من م، ساقطة من الأصل.
[13552]:في الأصل وم :مالك.