التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ} (97)

{ قل رب إما تريني ما يوعدون ( 93 ) رب فلا تجعلني في القوم الظالمين( 94 ) وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ( 95 ) ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون( 96 ) وقل ربي أعوذ بك من همزات الشياطين( 97 ) وأعوذ بك رب أن يحضرون( 98 ) } [ 93-98 ] .

في الآيات :

1 أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يدعو الله أن يرزقه السلامة والنجاة ، وأن لا يجعله في القوم الظالمين إذا أبقاه حيا حتى يريه تحقيق ما يوعد الله به الكفار .

2 وتقرير رباني بأن الله قادر أن يريه تحقيق ذلك .

3- وأمر ثان للنبي بأن لا يغتم لموقفهم ، وأنه يقابله بالصبر والغض والدفع بالتي هي أحسن انتظارا لتحقيق وعد الله ، فالله عليم كل العلم بحقيقة حالهم ومعتقداتهم .

4 وأمر ثالث بأن يستعيذ بالله من وساوس الشياطين ونفثاتهم ومخالطتهم في أموره وأفكاره .

والمتبادر أن الآيات وبخاصة الأربع الأولى منها متصلة بالسياق وبخاصة بالآيات [ 75-77 ] التي احتوت تنديدا بموقف الكفار بعدما كشف الله عنهم البلاء وإنذارا لهم بالعذاب الأشد ، وأن الآيات التي جاءت بعدها جاءت في معرض الاستطراد مما جرى عليه أسلوب النظم القرآني .

والآيتان الأخيرتان غير منقطعتين عن الموضوع والموقف . وقد استهدفتا بث الطمأنينة والسكينة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وحثه على الالتجاء إليه كما ألمت به الأزمات النفسية وساورته الهواجس والوساوس من جراء موقف قومه العنيد .

ولقد تكرر في القرآن الأمر بالاستعاذة من الشيطان ونزغاته مما هو متصل بالحقيقة الإيمانية المغيبة عن الشيطان ووساوسه على ما شرحناه في مناسبات سابقة . ونرى أنه يجب الوقوف في هذا الأمر عندما وقف القرآن دون تزيد مع ملاحظة أن الشيطان ودوره مما كان مفهوما مسلما به عند السامعين ، ومع ملاحظة ذلك الهدف الذي استهدفته ، وهو بث السكينة والطمأنينة في قلب النبي والمؤمنين فيما يكون طروءه على النفس الإنسانية مع أزمات وهواجس ووساوس والله أعلم .

ولقد شرحنا مدى احتمال تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لهزات الشيطان ونزغاته التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية [ 98 ] بالاستعاذة بالله منها في سورة الأعراف فلا نرى ضرورة للإعادة أو الزيادة .

وفي جملة { ادفع بالتي هي أحسن } توكيد للمبدأ القرآني المحكم في صدد الدعوة إلى سبيل الله وفي صدد معاملة الناس بصورة عامة على ما شرحناه في مناسبات سابقة شرحا يغني عن التكرار .

ولقد قال بعض المفسرين : إن هذه الجملة قد نسخت بآية القتال أو السيف{[1446]} كما قالوا ذلك بالنسبة للجمل المكية المماثلة . ومع صواب ذلك بالنسبة للأعداء المعتدين على الإسلام والمسلمين على ما قلناه في المناسبات السابقة ، فإن هذا ليس من شأنه نقض ذلك المبدأ القرآني المحكم المنطوي في الجملة بالنسبة لسلوك المسلمين تجاه بني ملتهم وتجاه غيرهم من الموادين المسالمين .


[1446]:انظر تفسير البغوي.