وينتهي هذا المشهد الرائع الجليل ؛ ويطوى الزمان ويطوى المكان ، فإذا موسى وهارون في مواجهة فرعون ، بآيات الله البينات ؛ وإذا الحوار بين الهدى والضلال ؛ وإذا النهاية الحاسمة في هذه الدنيا بالغرق ، وفي الحياة الأخرى باللعنة . في سرعة واختصار :
( فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا : ما هذا إلا سحر مفترى ، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين . وقال موسى : ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ، ومن تكون له عاقبة الدار ، إنه لا يفلح الظالمون . وقال فرعون :
( يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ، وإني لأظنه من الكاذبين . واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ، وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون . فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم . فانظر كيف كان عاقبة الظالمين . وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ، ويوم القيامة لا ينصرون ؛ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ، ويوم القيامة هم من المقبوحين ) . .
إن السياق هنا يعجل بالضربة القاضية ؛ ويختصر حلقة السحرة التي تذكر في سور أخرى بتفصيل أو إجمال . يختصرها ليصل من التكذيب مباشرة إلى الإهلاك . ثم لا يقف عند الأخذ في الدنيا ، بل يتابع الرحلة إلى الآخرة . . وهذا الإسراع في هذه الحلقة مقصود ، متناسق مع اتجاه القصة في السورة : وهو تدخل يد القدرة بلا ستار من البشر ، فما إن يواجه موسى فرعون حتى يعجل الله بالعاقبة ، وتضرب يد القدرة ضربتها الحاسمة ، بلا تفصيل في المواجهة أو تطويل .
( فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا : ما هذا إلا سحر مفترى ، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) . .
وكأنما هي ذات القولة التي يقولها المشركون لمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] في مكة يومذاك . . ( ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) . . فهي المماراة في الحق الواضح الذي لا يمكن دفعه . المماراة المكرورة حيثما واجه الحق الباطل فأعيا الباطل الجواب . إنهم يدعون أنه سحر ، ولا يجدون لهم حجة إلا أنه جديد عليهم ، لم يسمعوا به في آبائهم الأولين !
وهم لا يناقشون بحجة ، ولا يدلون ببرهان ، إنما يلقون بهذا القول الغامض الذي لا يحق حقا ولايبطل باطلا ولا يدفع دعوى . فأما موسى - عليه السلام - فيحيل الأمر بينه وبينهم إلى الله . فما أدلوا بحجة ليناقشها ، ولا طلبوا دليلا فيعطيهم إنما هم يمارون كما يماري أصحاب الباطل في كل مكان وفي كل زمان ، فالاختصار أولى والإعراض أكرم ، وترك الأمر بينه وبينهم إلى الله :
طوي ما بين نداء الله إياه وبين حضوره عند فرعون من الأحداث لعدم تعلق العبرة به . وأسند المجيء بالآيات إلى موسى عليه السلام وحده دون هارون لأنه الرسول الأصلي الذي تأتي المعجزات على يديه بخلاف قوله { فاذهبا بآياتنا } في سورة الشعراء ( 15 ) ، وقوله { بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون } [ القصص : 35 ] إذ جعل تعلق الآيات بضميريها لأن معنى الملابسة معنى متسع فالمصاحب لصاحب الآيات هو ملابس له .
والآيات البينات هي خوارق العادات التي أظهرها ، أي جاءهم بها آية بعد آية في مواقع مختلفة ، قالوا عند كل آية { ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } .
والمفترى : المكذوب . ومعنى كونها سحراً مكذوباً أنه مكذوب ادعاء أنه من عند الله وإخفاء كونه سحراً .
والإشارة في قوله { وما سمعنا بهذا } إلى ادعاء الرسالة من عند الله لأن ذلك هو الذي يسمع وأما الآيات فلا تسمع . فمرجع اسمي الإشارة مختلف ، أي ما سمعنا من يدعو آباءنا إلى مثل ما تدعو إليه فالكلام على حذف مضاف دل عليه حرف الظرفية ، أي في زمن آبائنا . وقد جعلوا انتفاء بلوغ مثل هذه الدعوة إلى آبائهم حتى تصل إليهم بواسطة آبائهم الأولين ، دليلاً على بطلانها وذلك آخر ملجأ يلجأ إليه المحجوج المغلوب حين لا يجد ما يدفع به الحق بدليل مقبول فيفزع إلى مثل هذه التلفيقات والمباهتات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.