في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجۡـَٔرُونَ} (64)

53

ثم يرسم مشهد انتباههم على الكارثة الباغتة المفاجئة : ( حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ) . . والمترفون أشد الناس استغراقا في المتاع والانحراف والذهول عن المصير . وها هم أولاء يفاجأون بالعذاب الذي يأخذهم أخذا ، فإذا هم يرفعون أصواتهم بالجؤار ، مستغيثين مسترحمين [ وذلك في مقابل الترف والغفلة والاستكبار والغرور ]

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجۡـَٔرُونَ} (64)

{ حتى إذا أخذنا مترفيهم } متنعميهم . { بالعذاب } يعني القتل يوم بدر أو الجوع حين دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " . فقحطوا حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة . { إذا هم يجأرون } فاجثوا الصراخ بالاستغاثة ، وهو جواب الشرط والجملة مبتدأ بعد حتى ويجوز أن يكون الجواب : { لا تجأروا اليوم } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجۡـَٔرُونَ} (64)

و { حتى } حرف ابتداء لا غير ، و { إذا } والثانية{[8513]} التي هي جواب تمنعان من أن تكون { حتى } غاية ل { عاملون } ، و «المترف » هو المنعم في الدنيا الذي هو منها في سرف وهذه حال شائعة في رؤساء الكفرة من كل أمة و { يجأرون } معناه يستغيثون بصياح كصياح البقر وكثر استعمال الجؤار في البشر ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]

يراوح من صلوات المليك . . . فطوراً سجوداً وطوراً جؤارا{[8514]}

وذهب مجاهد وغيره إلى أن هذا العذاب المذكور وهو الوعيد بيوم بدر وفيه نفذ على { مترفيهم } والضمير في قوله { إذا هم } يحتمل أن يعود على «المترفين » فقط لأنهم صاحوا حين نزل بهم الهزم والقتل يوم بدر ، ويحتمل أن يعود على الباقين بعد المعذبين وقد حكى ذلك الطبري عن ابن جريح قال : المعذبون قتلى بدر والذين { يجأرون } قتلى مكة لأنهم ناحوا واستغاثوا{[8515]} .


[8513]:نص الكلام في الأصول "وإذا والثانية هي جواب".
[8514]:البيت من قصيدة للأعشى يمدح بها قيس بن معد يكرب، وقبله يقول: وما أيبلي على هيكل بناه وصلب فيه وصارا والأيبلي هو الرهب الذي يحمل العصا التي يضرب بها الناقوس وتسمى الأيبل، ويراوح بين الأمرين: يفعل هذا مرة ويفعل هذا مرة، والجؤار: رفع الصوت مع تضرع واستغاثة، والجؤار كالخوار، معناهما واحد، وجواب قوله: "وما أيبلي..." يأتي في بيت ثالث يقول فيه: "بأعظم منه تقى في الحساب"، فالأعشى يقول عن ممدوحه الذي وصفه قبل ذلك بالكرم والشجاعة: إنه تقي نقي يرعى الله ويخافه، ويتضرع إليه في صلواته، وحتى الراهب المنقطع للعبادة والصلاة، والذي لا يكف عن السجود والجؤار لله ليس بأتقى من قيس هذا. والمؤلف يستشهد بالبيت على أن الجؤار هو رفع الصوت بالدعاء، وأنه يوصف به البشر كما يوصف به البقر.
[8515]:وبهذا يكون قد جمع بين الرأيين الواردين في معنى الآية، واللذين يعرفان من كلام المؤلف رحمه الله.