في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا} (19)

والآن وقد انتهى من تصوير الهول في مشاهد ذلك اليوم ، وفي صورة ذلك العذاب ؛ فإنه يتجه إلى تصوير حقيقة النفس البشرية في مواجهة الشر والخير ، في حالتي إيمانها وخلوها من الإيمان . ويقرر مصير المؤمنين كما قرر مصير المجرمين :

( إن الإنسان خلق هلوعا : إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون . والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم . والذين يصدقون بيوم الدين . والذين هم من عذاب ربهم مشفقون . إن عذاب ربهم غير مأمون . والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون . والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون . والذين هم بشهاداتهم قائمون . والذين هم على صلاتهم يحافظون . أولئك في جنات مكرمون ) .

وصورة الإنسان - عند خواء قلبه من الإيمان - كما يرسمها القرآن صورة عجيبة في صدقها ودقتها وتعبيرها الكامل عن الملامح الأصيلة في هذا المخلوق ؛ والتي لا يعصمه منها ولا يرفعه عنها إلا العنصر الإيماني ، الذي يصله بمصدر يجد عنده الطمأنينة التي تمسك به من الجزع عند ملاقاة الشر ، ومن الشح عند امتلاك الخير .

( إن الإنسان خلق هلوعا : إذا مسه الشر جزوعا . وإذا مسه الخير منوعا ) . .

لكأنما كل كلمة لمسة من ريشة مبدعة تضع خطا في ملامح هذا الإنسان . حتى إذا اكتملت الآيات الثلاث القصار المعدودة الكلمات نطقت الصورة ونبضت بالحياة . وانتفض من خلالها الإنسان بسماته وملامحه الثابتة . هلوعا . . جزوعا عند مس الشر ، يتألم للذعته ، ويجزع لوقعه ، ويحسب أنه دائم لا كاشف له . ويظن اللحظة الحاضرة سرمدا مضروبا عليه ؛ ويحبس نفسه بأوهامه في قمقم من هذه اللحظة وما فيها من الشر الواقع به . فلا يتصور أن هناك فرجا ؛ ولا يتوقع من الله تغييرا . ومن ثم يأكله الجزع ، ويمزقه الهلع . ذلك أنه لا يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه ، ويعلق به رجاءه وأمله . . منوعا للخير إذا قدر عليه . يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به على غيره ، ويحتجنه لشخصه ، ويصبح أسير ما ملك منه ، مستعبدا للحرص عليه ! ذلك أنه لا يدرك حقيقة الرزق ودوره هو فيه . ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه وهو منقطع عنه خاوي القلب من الشعور به . . فهو هلوع في الحالتين . . هلوع من الشر . هلوع على الخير . . وهي صورة بائسة للإنسان ، حين يخلو قلبه من الإيمان .

ومن ثم يبدو الإيمان بالله مسألة ضخمة في حياة الإنسان . لا كلمة تقال باللسان ، ولا شعائر تعبدية تقام . إنه حالة نفس ومنهج حياة ، وتصور كامل للقيم والأحداث والأحوال . وحين يصبح القلب خاويا من هذا المقوم فإنه يتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة ! ويبيت في قلق وخوف دائم ، سواء أصابه الشر فجزع ، أم أصابه الخير فمنع . فأما حين يعمره الإيمان فهو منه في طمأنينة وعافية ، لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال ؛ مطمئن إلى قدره شاعر برحمته ، مقدر لابتلائه ، متطلع دائما إلى فرجه من الضيق ، ويسره من العسر . متجه إليه بالخير ، عالم أنه ينفق مما رزقه ، وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله ، معوض عنه في الدنيا والآخرة . . فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة ، يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا} (19)

ولما كان من أعجب العجب أن يقبل على الدنيا أحد يسمع هذا التهديد بالعرض بين يدي الله والعقاب لمن لم يقبل على عبادته سبحانه ، بين أن ذلك لما جبله عليه سبحانه وأن الإنسان مقهور مع جبلته إلا من حفظه الله ، وذلك دال{[68354]} من كلا الطرفين على عظيم قدرته سبحانه ، قال مؤكداً لاقتضاء المقام للتأكيد لأن الإنسان لو خوف بالعرض على بعض الأمراء ما{[68355]} لابس ما يغضبه فكيف بالعزيز الحكيم القدير العليم : { إن الإنسان } أي هذا الجنس ، عبر به لما له من الأنس بنفسه والرؤية لمحاسنها والنسيان لربه ولذنبه .

ولما دعا الحال إلى بيان الجبلة الداعية إلى ما يقتضيه باختيار صاحبها على{[68356]} وجه كأنه إلجاء بياناً لسهولة الأمور عليه سبحانه بنى للمفعول قوله : { خلق هلوعاً * } أي جبل جبلة هو فيها بليغ الهلع وهو أفحش الجزع مع شدة الحرص وقلة الصبر والشح{[68357]} على المال والرغبة فيما لا ينبغي ، وعن ابن عباس رضي الله{[68358]} عنهما أنه الحريص على ما لا يحل له{[68359]} ، وروي عنه أن تفسيره ما{[68360]} بعده .


[68354]:- زيد من ظ وم.
[68355]:- من ظ وم، وفي الأصل: لما.
[68356]:- زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68357]:- من ظ وم، وفي الأصل: التشح.
[68358]:-راجع المعالم 7/ 125.
[68359]:- زيد في الأصل/ وظ: انتهى، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[68360]:- من ظ وم، وفي/ الأصل: فيما.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا} (19)

{ إن الإنسان خلق هلوعا }

{ إن الإنسان خلق هلوعاً } حال مقدرة وتفسيره .