في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (62)

56

ويعقب على هاتين الظاهرتين الكونيتين ، بأن الذي خلقهما هو الذي يكون إلهاً يستحق هذا الاسم العظيم :

( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء ، لا إله إلا هو ، فأنى تؤفكون ? ) . .

وإنه لعجيب يستحق التعجيب أن يرى الناس يد الله في كل شيء ، ويعلموا أنه الخالق لكل شيء معرفة حتمية مفروضة على العقل فرضاً بحكم وجود الأشياء ، واستحالة ادعاء أحد أنها من خلقه ، وعدم استقامة القول بأنها وجدت من غير موجد . عجيب يستحق التعجيب أن يكون هذا كله ، ثم يصرف الناس عن الإيمان والإقرار . . ( فأنى تؤفكون ? ) . .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (62)

شرح الكلمات :

{ ذلكم الله ربكم } : أي ذلكم الذي أمركم بدعائه ووعدكم بالاستجابة الذي جعل لكم الليل والنهار وأنعم عليكم بجلائل النعم الله ربكم الذي لا إله لكم غيره ولا رب لكم سواه .

{ فأنى تؤفكون } : أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم وإلهكم الحق إلى أوثان وأصنام لا تسمع ولا تبصر .

المعنى : فقال جل من قائل : { ذلكم الله ربكم } الذي عرفكم بنفسه { خالق كل شيء لا إله إلا هو } أي لا معبود بحق غلا هو .

وقوله : { فأنى تؤفكون } أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم والمنعم عليكم ، إلى أوثان وأصنام لا تنفعكم ولا تضركم . فسبحان الله كيف تؤفكون كذلك يؤفك أي كانصرافكم أنتم عن الإِيمان والتوحيد مع وفرة الأدلة وقوة الحجج يصرف أيضا الذين كانوا بآيات الله يجحدون في كل زمان ومكان لأن الآيات الإِلهية حجج وبراهين فالمكذب بها سيكذب بكل شيء حتى بنفسه والعياذ بالله تعالى .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (62)

قوله تعالى : " ذلكم الله ربكم خالق كل شيء " بين الدلالة على وحدانيته وقدرته . " لا إله إلا هو فأنى تؤفكون " أي كيف تنقلبون وتنصرفون عن الإيمان بعد أن تبينت لكم دلائله كذلك ، أي كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه ف " كذلك يؤفك " يصرف عن الحق الذين كانوا بآيات الله يجحدون .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (62)

ولما ثبت بآية الخافقين وآية الملوين ثبوتاً لا شك فيه أصلاً شمول القدرة بالاختيار ، قال معظماً بأداة البعد وميم الجمع : { ذلكم } أي أيها المخاطبون ! - الواحد القهار العظيم الشأن الذي علم بما ذكر من أفعاله أنه لا يشاركه أحد { الله } أي الملك الأعظم المعلوم لكل أحد المتميز عن كل شيء بالأفعال التي لا يشاركه أحد ، ولذلك قال : { ربكم } أي المربى لكم والمحسن إليكم بقدرته واختياره المتفرد بربوبيتكم لا رب لكم سواه . ولما كان في سياق الامتنان بالنعم للدلالة على الساعة التي ينكرونها ويجادلون في أمرها ، قدم الخلق على التهليل فقال : { خالق كل شيء } أي بما ثبت من تمام قدرته بإبداع الخافقين ثائبين والملوين متعاقبين دائبين ، ولا مانع له من إعادة الثقلين لأنه { لا إله إلا هو } بل كان ذلك واجباً في الحكمة ، لأن المنعم عليهم انقسموا إلى شاكر وكافر ، فوجب في الحكمة إقامة الساعة للفصل بينهم ، وجاء ذلك على ترتيب مطلع السورة ، فإن العزيز ناظر إلى كمال القدرة على الإيجاد والإعدام ، والعليم هو المتوحد بكمال الذات ، فإن إحاطة العلم تستلزم كل كمال ، والقدرة قد لا تستلزم العلم كما للحيوانات العجم ، وهذا بخلاف ما مضى في آية الأنعام ، فإن السياق هناك لإنكار الشرك وإثبات الوحدانية بما دل عليها من عموم الخلق طبق ما مضى أيضاً في مطلعها .

ولما أنتجت هذه الأخبار - التي كل منها مقرر لما قبله بكونه كالعلة له - الوحدانية المطلقة اللازم منها كل كمال ، سبب عنها قوله منكراً مبكتاً : { فأنى } أي فكيف ومن أي وجه { تؤفكون * } أي تقلبون عن وجوه الأدلة إلى أقفائها فتعبدون الأوثان وتجادلون في الساعة التي يلزم من الطعن فيها الطعن في الحكمة التي الطعن فيها طعن في الإلهية التي الطعن فيها طعن في وجود هذا الوجود ومكابرة فيه ، وذلك مؤدٍ إلى سقوط المتكلم به بكل اعتبار لمكابرته في المشاهد المحسوسة ، وفي المعقول المركوز في جميع النفوس .