في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٞ مُّفۡتَرٗىۚ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (43)

43

( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا : ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم . وقالوا : ما هذا إلا إفك مفترى . وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم : إن هذا إلا سحر مبين . وما آتيناهم من كتب يدرسونها ، وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير . وكذب الذين من قبلهم - وما بلغوا معشار ما آتيناهم - فكذبوا رسلي ، فكيف كان نكير ? ) . .

لقد قابلوا الحق الواضح البين الذي يتلوه عليهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] برواسب غامضة من آثار الماضي ، وتقاليد لا تقوم على أساس واضح ، وليس لها قوام متماسك . ولقد أحسوا خطورة ما يواجههم به القرآن الكريم من الحق البسيط المستقيم المتماسك . أحسوا خطورته على ذلك الخليط المشوش من العقائد والعادات والتقاليد التي وجدوا عليها آباءهم فقالوا قولتهم تلك :

( ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ) . .

ولكن هذا وحده لا يكفي . فإن مجرد أنه يخالف ما كان عليه الآباء ليس مطعناً مقنعاً لجميع العقول والنفوس . ومن ثم أتبعوا الادعاء الأول بادعاء آخر يمس أمانة المبلغ ، ويرد قوله أنه جاء بما جاء به من عند الله :

( وقالوا : ما هذا إلا إفك مفترى ) . .

والإفك هو الكذب والافتراء ؛ ولكنهم يزيدونه توكيداً : ( ما هذا إلا إفك مفترى ) . .

ذلك ليشككوا في قيمته ابتداء ، متى أوقعوا الشك في مصدره الإلهي .

ثم مضوا يصفون القرآن ذاته :

( وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم : إن هذا إلا سحر مبين ) . .

فهو كلام مؤثر يزلزل القلوب ، فلا يكفي أن يقولوا : إنه مفترى . فحاولوا إذن أن يعللوا وقعه القاهر في القلوب . فقالوا : إنه سحر مبين !

فهي سلسلة من الاتهامات ، حلقة بعد حلقة ، يواجهون بها الآيات البينات كي يحولوا بينها وبين القلوب . ولا دليل لهم على دعواهم . ولكنها جملة من الأكاذيب لتضليل العامة والجماهير . أما الذين كانوا يقولون هذا القول - وهم الكبراء والسادة - فقد كانوا على يقين أنه قرآن كريم ، فوق مقدور البشر ، وفوق طاقة المتكلمين ! وقد سبق في الظلال ما حدث به بعض هؤلاء الكبراء بعضاً في أمر محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وأمر القرآن ؛ وما دبروا بينهم من كيد ليصدوا به الجماهير عن هذا القرآن الذي يغلب القلوب ويأسر النفوس !

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٞ مُّفۡتَرٗىۚ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (43)

شرح الكلمات :

{ آياتنا بيّنات } : أي آيات القرآن الكريم واضحات ظاهرة المعنى بيّنة الدلالة .

{ قالوا ما هذا إلا رجل } : أي ما محمد إلا رجل من الرجال .

{ يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم } : أي يريد أن يصرفكم عن عبادتكم لآلهتكم التي كان يعبدها آباؤكم من قبل .

{ إلا إفك مفترى } : أي إلا كذب مختلق مزور .

{ وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم } : أي قالوا للقرآن لما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم .

{ إن هذا إلا سحر مبين } : أي ما هذا أي القرآن إلا سحر مبين أي محمد ساحر والقرآن سحر .

المعنى :

ما زال السياق في عرض مواقف المشركين المخزية والتنديد بهم والوعيد الشديد لهم . قال تعالى { وإذا تتلى عليهم } أي مشركي قريش وكفارها { آياتنا بينات } أي يتلوها رسولنا واضحات الدلالة بينات المعاني فيما تدعو إليه من الحق وتندد به من الباطل ، كان جوابهم أن قالوا : ما هذا إلا رجلٌ يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم . أي ما محمد إلا رجل أي ليس بملكٍ يريد أن يصدكم أي يصرفكم عما كان آباؤكم من الأوثان والأحجار . فسبحان الله أين يذهب بعقول المشركين أما يخجلون لما يقولون عما كان يعبد آباؤكم من الأصنام والأوثان ، إنه يصدكم حقاً عن عبادة الأوثان ولكن إلى عبادة الرحمن . وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله : { وقالوا : ما هذا إلا إفك } أو كذب { افتراه } أي اختلقه وتخرصه من نفسه أي قالوا في القرآن وما يحمل من تشريع وهدى ونور قالوا فيه إنه كذبه محمد صلى الله عليه وسلم سبحان الله ما أشد سخف هؤلاء المشركين : وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله { وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين } أي قالوا في الرسول وما جاءهم به من الدعوة إلى التوحيد والإِصلاح { إن هذا } أي ما هذا إلا سحر مبين ، وذلك لما رأوا من تأثير الرسول والقرآن في نفوسهم إذ كان يحرك نفوسهم ويهزها هزاً .