أما التعقيب على هذا النهي بالأمر بتقوى الله رجاء الفلاح ؛ واتقاء النار التي أعدت للكافرين . . أما التعقيب بهاتين اللمستين فمفهوم كذلك ؛ وهو أنسب تعقيب :
إنه لا يأكل الربا إنسان يتقي الله ويخاف النار التي أعدت للكافرين . . ولا يأكل الربا إنسان يؤمن بالله ، ويعزل نفسه من صفوف الكافرين . . والإيمان ليس كلمة تقال باللسان ؛ إنما هو اتباع للمنهج الذي جعله الله ترجمة عملية واقعية لهذا الإيمان . وجعل الإيمان مقدمة لتحقيقه في الحياة الواقعية ، وتكييف حياة المجتمع وفق مقتضياته .
ومحال أن يجتمع إيمان ونظام ربوي في مكان . وحيثما قام النظام الربوي فهناك الخروج من هذا الدين جملة ؛ وهناك النار التي أعدت للكافرين ! والمماحكة في هذا الأمر لا تخرج عن كونها مماحكة . . والجمع في هذه الآيات بين النهي عن أكل الربا والدعوة إلى تقوى الله ، وإلى اتقاء النار التي أعدت للكافرين ، ليس عبثا ولا مصادفة . إنما هو لتقرير هذه الحقيقة وتعميقها في تصورات المسلمين .
وكذلك رجاء الفلاح بترك الربا وبتقوى الله . . فالفلاح هو الثمرة الطبيعية للتقوى ، ولتحقيق منهج الله في حياة الناس . . ولقد سبق الحديث في الجزء الثالث عن فعل الربا بالمجتمعات البشرية ، وويلاته البشعة في حياة الإنسانية . فلنرجع إلى هذا البيان هناك ، لندرك معنى الفلاح هنا ، واقترانه بترك النظام الربوي المقيت !
وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الأولى والأخرى{[2]} ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها ، فقال : { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ . وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
{ وَاتّقُواْ النّارَ الّتِيَ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ }
يقول تعالى ذكره للمؤمنين : واتقوا أيها المؤمنون النار أن تصلوها بأكلكم الربا بعد نهيي إياكم عنه التي أعددتها لمن كفر بي ، فتدخلوا مداخلهم بعد إيمانكم بي بخلافكم أمري ، وترككم طاعتي . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { واتّقُوا النّارَ التي أُعدّتْ للكافرِينَ } التي جعلت دارا لمن كفر بي .
و { النار } في قوله : { واتقوا النار } هي اسم الجنس ، ويحتمل أن تكون للعهد ، ثم ذكر أنها { أعدت للكافرين } ، أي إنهم هم المقصود والمراد الأول ، وقد يدخلها سواهم من العصاة ، فشنع أمر النار بذكر الكفر ، وحسن للمؤمن أن يحذرها ويبعد بطاعة الله عنها وهذا كما قال في الجنة : أعدت للمتقين ، أي هم المقصود ، وإن كان يدخلها غيرهم من صبي ومجنون ونحوه ممن لا يكلف ولا يوصف بتقوى ، هذا مذهب أهل العلم في هذه الآية ، وحكى الماوردي وغيره ، عن قوم أنهم ذهبوا إلى أن أكلة الربا إنما توعدهم الله بنار الكفرة ، إذ النار سبع طبقات ، العليا منها وهي جهنم للعصاة ، والخمس للكفار والدرك الأسفل للمنافقين ، قالوا : فأكلة الربا إنما يعذبون يوم القيامة بنار الكفرة لا بنار العصاة ، وبذلك توعدوا ، فالألف واللام على هذا في قوله { واتقوا النار } إنما هي للعهد .
وقوله : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } تحذير وتنفير من النَّار وما يوقع فيها ، بأنَّها معدودة للكافرين وإعدادها للكافرين . عَدل من الله تعالى وحكمة لأنّ ترتّب الأشياء على أمثالها من أكبر مظاهر الحكمة ، ومَن أشركوا بالله مخلوقاته ، فقد استحقّوا الحرمان من رحماته ، والمسلمون لا يرضَون بمشاركة الكافرين لأنّ الإسلام الحقّ يوجب كراهية ما ينشأ عن الكفر . وذاك تعريض واضح في الوعيد على أخذ الربا .
ومقابل هذا التنفير الترغيب الآتي في قوله : { وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين } [ آل عمران : 133 ] ، والتَّقوى أعلى درجات الإيمان .
وتعريف النار بهذه الصّلة يُشعر بأنَّه قد شاع بين المسلمين هذا الوصف للنَّار بما في القرآن من نحو قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } [ التحريم : 6 ] ، وقوله : { وبرزت الجحيم للغاوين } [ الشعراء : 91 ] الآية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم خوفهم، فقال: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره للمؤمنين: واتقوا أيها المؤمنون النار أن تصلوها بأكلكم الربا بعد نهيي إياكم عنه التي أعددتها لمن كفر بي، فتدخلوا مداخلهم بعد إيمانكم بي بخلافكم أمري، وترككم طاعتي...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
دل أن الربا من الكبائر التي يستحق عليها الوعيد بالنار.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: هي أخوف آية في القرآن، حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{النار} في قوله: {واتقوا النار} هي اسم الجنس، ويحتمل أن تكون للعهد، ثم ذكر أنها {أعدت للكافرين}، أي إنهم هم المقصود، والمراد الأول، وقد يدخلها سواهم من العصاة، فشنع أمر النار بذكر الكفر، وحسن للمؤمن أن يحذرها ويبعد بطاعة الله عنها...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قال كثير من المفسرين: وهذا الوعيد لمن استحل الربا، ومن استحل الربا فإنه يكْفُر ويُكَفّر. وقيل: معناه اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار؛ لأن من الذنوب ما يستوجب به صاحبه نزع الإيمان ويخاف عليه، من ذلك عقوق الوالدين...
وذكر أبو بكر الوراق عن أبي حنيفة أنه قال: أكثر ما ينزع الإيمان من العبد عند الموت. ثم قال أبو بكر: فنظرنا في الذنوب التي تنزع الإيمان فلم نجد شيئا أسرع نزعا للإيمان من ظلم العباد...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{واتقوا النار التي أعدت للكافرين} بالتحرز عن متابعتهم وتعاطي أفعالهم...
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
قوله: {واتقوا النار التي أُعِدَّتْ للكافرين} فيه الإرشاد إلى تجنب ما يفعله الكفار في معاملاتهم.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
فيه إشارة إلى أن أكلة الربا على شفا حفرة الكفرة...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
الذين قست قلوبهم واستحوذ عليهم الطمع والبخل فكانوا فتنة للفقراء والمساكين وأعداء البائسين والمعوزين...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أما التعقيب على هذا النهي بالأمر بتقوى الله رجاء الفلاح؛ واتقاء النار التي أعدت للكافرين.. أما التعقيب بهاتين اللمستين فمفهوم كذلك؛ وهو أنسب تعقيب: إنه لا يأكل الربا إنسان يتقي الله ويخاف النار التي أعدت للكافرين.. ولا يأكل الربا إنسان يؤمن بالله، ويعزل نفسه من صفوف الكافرين.. والإيمان ليس كلمة تقال باللسان؛ إنما هو اتباع للمنهج الذي جعله الله ترجمة عملية واقعية لهذا الإيمان. وجعل الإيمان مقدمة لتحقيقه في الحياة الواقعية، وتكييف حياة المجتمع وفق مقتضياته. ومحال أن يجتمع إيمان ونظام ربوي في مكان. وحيثما قام النظام الربوي فهناك الخروج من هذا الدين جملة؛ وهناك النار التي أعدت للكافرين! والمماحكة في هذا الأمر لا تخرج عن كونها مماحكة.. والجمع في هذه الآيات بين النهي عن أكل الربا والدعوة إلى تقوى الله، وإلى اتقاء النار التي أعدت للكافرين، ليس عبثا ولا مصادفة. إنما هو لتقرير هذه الحقيقة وتعميقها في تصورات المسلمين. وكذلك رجاء الفلاح بترك الربا وبتقوى الله.. فالفلاح هو الثمرة الطبيعية للتقوى، ولتحقيق منهج الله في حياة الناس.. ولقد سبق الحديث في الجزء الثالث عن فعل الربا بالمجتمعات البشرية، وويلاته البشعة في حياة الإنسانية. فلنرجع إلى هذا البيان هناك، لندرك معنى الفلاح هنا، واقترانه بترك النظام الربوي المقيت!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
قوله: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين} تحذير وتنفير من النَّار وما يوقع فيها، بأنَّها معدودة للكافرين وإعدادها للكافرين. عَدل من الله تعالى وحكمة لأنّ ترتّب الأشياء على أمثالها من أكبر مظاهر الحكمة، ومَن أشركوا بالله مخلوقاته، فقد استحقّوا الحرمان من رحماته، والمسلمون لا يرضَون بمشاركة الكافرين لأنّ الإسلام الحقّ يوجب كراهية ما ينشأ عن الكفر. وذاك تعريض واضح في الوعيد على أخذ الربا. ومقابل هذا التنفير الترغيب الآتي في قوله: {وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين} [آل عمران: 133]، والتَّقوى أعلى درجات الإيمان. وتعريف النار بهذه الصّلة يُشعر بأنَّه قد شاع بين المسلمين هذا الوصف للنَّار بما في القرآن من نحو قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6]، وقوله: {وبرزت الجحيم للغاوين} [الشعراء: 91] الآية...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{واتقوا النار التي أعدت للكافرين} أي اجعلوا بينكم وبين النار التي أعدها الله تعالى للكافرين وقاية من الطاعة، ولا تنحرفوا عن الشرع ومقاصده إلى أهواء الكافرين ومنازعهم، وقد اقترنت هذه الآية بآية تحريم الربا، لتهديد المعاندين أو الذين يمارون في الشرع ويجادلون فيه، وهذا كقوله تعالى في آية تحريم الربا في البقرة: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا عن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله.279} [البقرة]، فالذين يأكلون الربا أو يدعون إليه، أو يسهلون أمره أو يوطئون أحكام الشريعة لأحكام الكافرين يحاربون الله ورسوله.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
أراد لهم أن يجعلوا النَّار أمامهم كلّما أراد الشَّيطان أن يغويهم بوسوسته ووسائله الخفية، ليتذكروا حريقها ولهيبها وعنف عذابها الذي أعدّه للكافرين به أو المنحرفين عن خطّه المستقيم بالتمرّد على أوامره ونواهيه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ولكن هل يكفي الأمر بتقوى الله والترغيب في الفلاح في صورة ترك الربا؟ أم لابدّ من التلويح بالعذاب الأخروي للمرابين؟ ولهذا قال سبحانه في الآية الثانية (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) فهذه الآية تأكيد لحكم التقوى الذي مرّ في الآية السابقة.
ويوحي التعبير ب «الكافرين» أن أخذ الربا لا يتفق أساساً مع روح الإيمان، ولهذا ينتظر المرابين ما ينتظر الكافرين من النار والعذاب.
كما يستفاد من ذلك أن النار أعدت أساساً للكافرين، وينال العصاة والمذنبون من هذه النار بقدر شباهتهم بالكفار، وتعاونهم معهم.