اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيٓ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ} (131)

قوله تعالى : { وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } في هذه الآية سؤالان .

الأول : أن النار التي أعدت للكافرين تكون بقدر كفرهم ؛ وذلك أزيد مما يستحقه المسلم بفسقه ، فكيف قال : { وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ؟

والجواب : أن التقدير : اتقوا أن تجحدوا تحريمَ الربا ، فتصيروا كافرين .

السؤال الثاني : أن ظاهر قوله : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } يقتضي أنها ما أعدت لغيرهم ، وهذا يقتضي القطع بأن أحداً من المؤمنين لا يدخل النار ، وهو خلاف سائر الآيات .

والجواب عليه من وجوه :

أحدها : أنه لا يبعد أن يكون في النار دركات ، أعِدَّ بعضُها للكفار ، وبعضها للفُسَّاق ، فتكون هذه الآية إشارة إلى الدركات المخصوصة بالكفار ، وهذا لا يَمْنَعُ ثبوت دركات أخْرَى أعِدَّت لغير الكفار .

وثانيها : أن تكون النار مُعَدَّة للكافرين ، ولا يمنع دخول المؤمنين فيها ؛ لأن أكثر أهل النار الكفار ، فذكر الأغلب ، كما أن الرجل يقول : هذه الدابة أعددتَها لِلِقَاءِ المُشْرِكِينَ ، ولا يمنع من ركوبها لحوائجه ، ويكون صادقاً في ذلك .

وثالثها : أن القرآن كالسورة الواحِدَةِ ، فهذه الآية دلت على أن النار معدة للكافرين ، وباقي الآيات دلَّت أيضاً على أنها معدة لمن سرق ، وقتل ، وزنى ، وقذف ، ومثله قوله تعالى : { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } [ الملك : 8 ] ، وليس جميع الكفار قال ذلك ، وقوله : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ } [ الشعراء : 94 ] إلى قوله : { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 98 ] ، وليس هذا صفة جميعهم ، لما كانت هذه الصفات مذكورة في سائر السور كانت كالمذكورة - هاهنا - .

الرابع : أن قوله : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } إثبات كونها معدة لهم ، ولا يدل على الحصر ، كقوله - في الجنة : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] ، ولا يدل ذلك على أنه لا يدخلها سواهم من الصبيان والمجانين ، والحور العين .

وخامسها : أنَّ المقصود مِنْ وَصْفها - بكونها { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } : تعظيم الزَّجْرِ ؛ لأن المؤمنين مخاطبين باتقاء المعاصي ، إذا علموا بأنهم متى فارقوا التقوى ، دخلوا النار المعدة للكافرين ، وقد تقرَّر في عقولهم عظم عقوبة الكافرين ، انزجروا عن المعاصي أتَمَّ الانزجار ، كما يُخوفُ الوالدُ ولدَه بأنك إن عصيتني أدخلتك دارَ السباع ، ولا يدل ذلك على أن تلك الدارَ لا يدخلها غيرهم .

وهذه الآية تدل على أن النار مخلوقة في الأزل ؛ لأن قوله : " أعِدَّتْ " إخبار عن الماضي ، فلا بد وأن يكون ذلك الشيء دخل في الوجود .