تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيٓ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ} (131)

الآية 131 وقوله تعالى : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } فيه دلالة على أنها إنما أعدت للكافرين لم تعد لغيرهم ، فذلك يرد على المعتزلة حتى خلدوا صاحب الكبيرة في النار ، والله تعالى يقول : إنها { أعدت للكافرين } وهم يقولون : ولغير الكافرين .

قال الشيخ ، رحمه الله تعالى في قوله : { أعدت للمتقين } [ آل عمران : 133 ] يحتمل للذين اتقوا الشرك كقوله { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] ويحتمل للذين اتقوا جميع أنواع المعاصي .

فإن كان التأويل هو الأول ، فكل من يستحق بفعله اسم الكفر هو في الآية ، إذ قال في النار : { أعدت للكافرين } لم يجز أن تكون هي أبدا لغيرهم لوجهين :

أحدهما : إذ لا يجوز أن تكون الجنة المتخذة للمؤمنين تكون لغيرهم ، فكذلك النار المعدة للكافرين ، وهذا أولى بجواز القول في إيجاب الجنة لمن لا يكون منه الإيمان ، نحو الذرية ، وفساد القول فيهم بالنار ، والله أعلم .

والثاني : أنها لو{[4341]} جعلت لغيرهم أو أعدت لغيرهم لكان لا يكون للكفر فضل هيبة ولفعله فزع في القلوب بوجود ذلك . ومعلوم أن ذلك بالعواقب لا بنفس الفعل ، ثبت أنه لا يجب خلود من ليس بكافر فيها حتى يكون لمن أعدت له ولغيره{[4342]} أثر وتحذير لا تحقيق ذلك كله ، والله أعلم .

وإن كان التأويل هو الثاني من اتقاء جميع المعاصي فيكون لذلك عبارتان :

أحدهما : أن قد ظهر أهل الجنة وأهل النار ، وبينهم قوم لم تبلغ بهم الذنوب الشرك ، فيدخلون في الوعيد بالنار المعدة لهم ، ولا اتقوا جميع المعاصي ، فيكونون{[4343]} في الوعد المطلق في من أعدت له الجنة ، فحقه الوقف فيه حتى يظهر ذلك في قوله : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ] وفي قوله : { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم } [ الأحقاف : 16 ] وقوله : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } [ التوبة : 102 ] وغير ذلك من الآيات العفو والمغفرة وما كان ذلك واجبا في الحكمة ، فيكون القائم به يستحق وصف العدل لا العفو والمغفرة . ثبت أن ذلك في ما قد وجب ، أو في من يجزيهم ، ويدخلون الجنة ، إذ أخبر أنه لا يجزي السيئة إلا بمثلها ، وبالتخليد مضاعفة ذلك من وجهين :

أحدهما : أنه عذاب الكفر ، وهذا دونه .

والثاني : منع لذة الحسنة بكليتها ، بل حق ذلك أن يكون كقوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره }{[4344]} [ الزلزلة : 7 ] أن يجزي بالأمرين جميعا ، ولا قوة إلا بالله .

والثاني{[4345]} : أنه قد جاء بمقابل [ السيئة من الحسنات ومقابل ]{[4346]} كل [ نوع ]{[4347]} من أنواه المعاصي من الطاعات ، وقد وعد على الحسنة{[4348]} عشرة أمثالها ، فمحال أن يقابل مثل الذي دون الشرك من السيئات الشرك في إحباط العمل ، ولا يقابل مثل الذي دون الإيمان في إحباط الذنوب ، وتجب له الجنة .

ثم مع ذلك الإيمان الذي بعثه على الخوف والرجاء وقت الإساءة ، وعلى أنه لو خشي على نفسه كل بلاء [ وكل رجاء ]{[4349]} يقع في الكفر بربه ، لم يؤثر ذلك مع ما وعد على الحسنة عشرة أمثالها ، ثم تبطل لذة ذلك كله ، ويلزم خلق القول فيه بالكرم والعفو والرحمة ، ولا قوة إلا بالله .


[4341]:في الأصل وم: إذا.
[4342]:في الأصل وم: ولغير.
[4343]:في الأصل وم: فيكون.
[4344]:أدرج بعدها في الأصل وم: الآية.
[4345]:هذا الوجه الثاني من وجهي العبارتين في ارتقاء جميع المعاصي المدرجة آنفا.
[4346]:من م، ساقطة من الأصل.
[4347]:ساقطة من الأصل وم.
[4348]:في م: الحسنات.
[4349]:في الأصل وم: رجاء كل.