في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِيكُمۡ إِلَٰهٗا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (140)

138

ثم ترتفع نغمة الغيرة في كلمات موسى - عليه السلام - على ربه والغضب له - سبحانه - والتعجب من نسيان قومه لنعمة الله عليهم - وهي حاضرة ظاهرة - :

( قال : أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين ؟ ) . .

والتفضيل على العالمين - في زمانهم يتجلى في اختيارهم لرسالة التوحيد من بين المشركين . وليس وراء ذلك فضل ولا منة . فهذا ما لا يعدله فضل ولا منة . كما أنه اختارهم ليورثهم الأرض المقدسة - التي كانت إذ ذاك في أيد مشركة - فكيف بعد هذا كله يطلبون إلى نبيهم أن يطلب لهم إلهاً غير الله ؛ وهم في نعمته وفضله يتقلبون ؟ !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِيكُمۡ إِلَٰهٗا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (140)

يذكِّرهم موسى ، عليه السلام ، بنعمة الله عليهم ، من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره ، وما كانوا فيه من الهوان والذلة ، وما صاروا إليه من العزة والاشتفاء من عدوهم ، والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه ، وغرقه ودماره . وقد تقدم تفسيرها في [ سورة ]{[12093]} البقرة .


[12093]:زيادة من م، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِيكُمۡ إِلَٰهٗا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (140)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلََهاً وَهُوَ فَضّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : قال موسى لقومه : أسوى الله ألتمسكم إلها وأجعل لكم معبودا تعبدونه ، والله الذي هو خالقكم ، فضّلكم على عالمي دهركم وزمانكم يقول : أفأبغيكم معبودا لا ينفعكم ولا يضرّكم تعبدونه وتتركون عبادة من فضلكم على الخلق ؟ إن هذا منكم لجهل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِيكُمۡ إِلَٰهٗا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (140)

وقوله تعالى : { قال أغير الله } الآية ، أمر الله موسى عليه السلام أن يوقفهم ويقررهم على هذه المقالة ، ويحتمل أن يكون القول من تلقائه عليه السلام ، { أبغيكم } معناه : أطلب لكم ، من بغيت الشيء إذا طلبته ، و { غير } منصوبة بفعل مضمر هذا هو الظاهر ويحتمل أن ينتصب على الحال كأن تقدير الكلام : قال أبغيكم إلهاً غير الله فهي في مكان الصفة فلما قدمت نصبت على الحال ، و { العالمين } لفظ عام يراد به تخصيص عالم زمانهم ، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بإجماع ، ولقوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } اللهم إلا أن يراد بالفضل كثرة الأنبياء منهم فإنهم فضلوا في ذلك على العالمين بالإطلاق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِيكُمۡ إِلَٰهٗا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (140)

إعادة لفظ { قال } مستأنفاً في حكاية تكملة جواب موسى بقوله تعالى : { قال أغير الله أبغيكم } تقدم توجيه نظيره عند قوله تعالى : { قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو } إلى قوله { قال فيها تحيون } من هذه السورة ( 24 ، 25 ) .

والذي يظهر أنه يعاد في حكاية الأقوال إذا طال المقول ، أو لأنه انتقال من غرض التوبيخ على سؤالهم إلى غرض التذكير بنعمة الله عليهم ، وأن شكر النعمة يقتضي زجرهم عن محاولة عبادة غير المنعم ، وهو من الارتقاء في الاستدلال على طريقة التسليم الجدَلي ، أي : لو لم تكن تلك الآلهة باطلاً لكان في اشتغالكم بعبادتها والإعراض عن الإله الذي أنعم عليكم كفران للنعمة ونداء على الحماقة وتنزه عن أن يُشاركهم في حماقتهم .

والاستفهام بقوله : { أغير الله أبغيكم إلاهاً } للإنكار والتعجب من طلبهم أن يجعل لهم إلاهاً غير الله ، وقد أوليَ المستفهم عنه الهمزة للدلالة على أن محل الإنكار هو اتخاذ غير الله إلاهاً ، فتقديم المفعول الثاني للاختصاص ، للمبالغة في الإنكار أي : اختصاص الإنكار ببغي غير الله إلاهاً .

وهمزة { أبغيكم } همزة المتكلم للفعل المضارع ، وهو مضارع بغَى بمعنى طلب ، ومصدره البَغاء بضم الباء .

وفعله يتعدى إلى مفعول واحد ، ومفعوله هو { غيرَ الله } لأنه هو الذي ينكر موسى أن يكون يبغيه لقومه .

وتعديته إلى ضمير المخاطبين على طريقة الحذف والإيصال ، وأصل الكلام : أبغي لكم و { إلاهاً } تمييز ل { غير } .

وجملة : { وهو فضلكم على العالمين } في موضع الحال ، وحين كان عاملها محَل إنكار باعتبار معموله ، كانت الحال أيضاً داخلة في حيز الإنكار ، ومقررة لجهته .

وظاهر صوغ الكلام على هذا الأسلوب أن تفضيلهم على العالمين كان معلوماً عندهم لأن ذلك هو المناسب للإنكار ، ويحتمل أنه أراد إعلامهم بذلك وأنه أمر محقق .

ومجيء المسند فعلياً : ليفيد تقديم المسند إليه عليه تخصيصه بذلك الخبر الفعلي أي : وهو فضلكم ، لم تفضلكم الأصنام ، فكان الإنكار عليهم تحميقاً لهم في أنهم مغمورون في نعمة الله ويطلبون عبادة ما لا يُنعم .

والمرادُ بالعالمين : أممُ عصرهم ، وتفضيلهم عليهم بأنهم ذرية رسول وأنبياءَ ، وبأن منهم رسلاً وأنبياء ، وبأن الله هداهم إلى التوحيد والخلاص من دين فرعون بعد أن تخبطوا فيه ، وبأنه جعلهم أحراراً بعد أن كانوا عبيداً ، وساقهم إلى امتلاك أرض مباركة وأيدهم بنصره وآياته ، وبعث فيهم رسولاً ليقيم لهم الشريعة . وهذه الفضائِل لم تجتمع لأمة غيرهم يومئذٍ ، ومن جملة العالمين هؤلاء القوم الذين أتوا عليهم ، وذلك كناية عن إنكار طلبهم اتخاذَ أصنام مثلهم ، لأن شأن الفاضل أن لا يقلد المفضول ، لأن اقتباس أحوال الغير يتضمن اعترافاً بأنه أرجح رأياً وأحسن حالاً ، في تلك الناحية .