مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِيكُمۡ إِلَٰهٗا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (140)

قوله تعالى : { قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين }

اعلم أنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنهم لما قالوا له : { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } فهو عليه السلام ذكر في الجواب وجوها : أولها : أنه حكم عليهم بالجهل فقال : { إنكم قوم تجهلون } وثانيها : أنه قال : { إن هؤلاء متبر ما هم فيه } أي سبب للخسران والهلاك . وثالثها : أنه قال : { وباطل ما كانوا يعملون } أي هذا العمل الشاق لا يفيدهم نفعا في الدنيا والدين . ورابعها : ما ذكره في هذه الآية من التعجب منهم على وجه يوجب الإنكار والتوبيخ فقال : { أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين } والمعنى : أن الإله ليس شيئا يطلب ويلتمس ويتخذ ، بل الإله هو الله الذي يكون قادرا على الإنعام بالإيجاد وإعطاء الحياة وجميع النعم ، وهو المراد من قوله : { وهو فضلكم على العالمين } فهذا الموجود هو الإله الذي يجب على الخلق عبادته ، فكيف يجوز العدول عن عبادته إلى عبادة غيره . قال الواحدي رحمه الله : يقال : بغيت فلانا شيئا وبغيت له . قال تعالى : { يبغونكم الفتنة } أي يبغون لكم ، وفي انتصاب قوله : { إلها } وجهان : أحدهما : الحال كأنه قيل : أطلب لكم غير الله معبودا ، ونصب { غير } في هذا الوجه على المفعول به . الثاني : أن ينصب { إلها } على المفعول به { وغير } على الحال المقدمة التي لو تأخرت كانت صفة كما تقول : أبغيكم إلها غير الله . وقوله : { وهو فضلكم على العالمين } فيه قولان : الأول : المراد أنه تعالى فضلهم على عالمي زمانهم . الثاني : أنه تعالى خصهم بتلك الآيات القاهرة ولم يحصل مثلها لأحد من العالمين ، وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصال ، ومثاله : رجل تعلم علما واحدا وآخر تعلم علوما كثيرة سوى ذلك العلم ، فصاحب العلم الواحد مفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك الواحد ، إلا أن صاحب العلوم الكثيرة مفضل على صاحب العلم الواحد في الحقيقة .