في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

142

وهنا يوجه الخطاب إلى النبي [ ص ] بعد هذا البيان بشأن أهل الكتاب :

( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) . .

ورسول الله [ ص ] ما امترى يوما ولا شك . وحينما قال له ربه في آية أخرى : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك . . قال : " لا أشك ولا أسأل " . .

ولكن توجيه الخطاب هكذا إلى شخصه [ ص ] يحمل إيحاء قويا إلى من وراءه من المسلمين . سواء منهم من كان في ذلك الحين يتأثر بأباطيل اليهود وأحابيلهم ، ومن يأتي بعدهم ممن تؤثر فيهم أباطيل اليهود وغير اليهود في أمر دينهم .

وما أجدرنا نحن اليوم أن نستمع إلى هذا التحذير ؛ ونحن - في بلاهة منقطعة النظير - نروح نستفتي المستشرقين - من اليهود والنصارى والشيوعيين الكفار - في أمر ديننا ، ونتلقى عنهم تاريخنا ، ونأمنهم على القول في تراثنا ، ونسمع لما يدسونه من شكوك في دراساتهم لقرآننا وحديث نبينا ، وسيرة أوائلنا ؛ ونرسل إليهم بعثات من طلابنا يتلقون عنهم علوم الإسلام ، ويتخرجون في جامعاتهم ، ثم يعودون الينا مدخولي العقل والضمير .

إن هذا القرآن قرآننا . قرآن الأمة المسلمة . وهو كتابها الخالد الذي يخاطبها فيه ربها بما تعمله وما تحذره . وأهل الكتاب هم أهل الكتاب ، والكفار هم الكفار . والدين هو الدين !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

ثم ثبّت تعالى نبيه{[2952]} والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء{[2953]} به الرسول{[2954]} صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ، فقال : { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }


[2952]:في جـ: "النبي صلى الله عليه وسلم".
[2953]:في ط: "ما جاءهم به".
[2954]:في جـ: "النبي".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

القول في تأويل قوله تعالى : { الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }

يقول الله جل ثناؤه : اعلم يا محمد أن الحقّ ما أعلمك ربك وأتاك من عنده ، لا ما يقول لك اليهود والنصارى . وهذا من الله تعالى ذكره خبر لنبيه عليه الصلاة والسلام عن أن القبلة التي وجهه نحوها هي القبلة الحقّ التي كان عليها إبراهيم خليل الرحمَن ، ومن بعده من أنبياء الله عزّ وجلّ . يقول تعالى ذكره له : فاعمل بالحقّ الذي أتاك من ربك يا محمد ولا تكوننّ من الممترين ، يعني بقوله : فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ المُمْتَرِينَ أي فلا تكونن من الشاكين في أن القبلة التي وجهتك نحوها قبلة إبراهيم خليلي عليه السلام وقبلة الأنبياء غيره . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثني إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : قال الله تعالى ذكره لنبيه عليه الصلاة والسلام : الحَقّ مِنْ رَبّكَ فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ المُمْتَرِينَ يقول : لا تكن في شكّ أنها قبلتك وقبلة الأنبياء من قبلك .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ المُمْتَرِينَ قال : من الشاكين قال : لا تشكنّ في ذلك . والممتري : مفتعل من المرية ، والمرية هي الشكّ ، ومنه قول الأعشى :

تَدُرّ عَلَىَ أسْؤُقِ المُمْتَرِينَ رَكْضا إذَا ما السّرَابُ ارْجَحَنّ

فإن قال لنا قائل : أوَكان النبيّ صلى الله عليه وسلم شاكا في أن الحقّ من ربه ، أو في أن القبلة التي وجهه الله إليها حقّ من الله تعالى ذكره حتى نهي عن الشكّ في ذلك فَقِيل لَهُ : فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ المُمْتَرِينَ ؟ قيل : ذلك من الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الأمر أو النهي للمخاطب به والمراد به غيره ، كما قال جل ثناؤه : ( يَا أَيّهَا النّبيّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) ثم قال : ( وَاتّبِعْ ما يُوحَىَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ إن اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا ) فخرج الكلام مخرج الأمر للنبيّ صلى الله عليه وسلم والنهي له ، والمراد به أصحابه المؤمنون به . وقد بينا نظير ذلك فيما مضى قبلُ بما أغنى عن إعادته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

{ الحق من ربك } كلام مستأنف ، والحق إما مبتدأ خبره من ربك واللام للعهد ، والإشارة إلى ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الحق الذي يكتمونه ، أو للجنس . والمعنى أن { الحق } ما ثبت أنه من الله تعالى كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب ، وإما خبره مبتدأ محذوف أي هو { الحق } ومن ربك حال ، أو خبر بعد خبر . وقرئ بالنصب على أنه بدل من الأول ، أو مفعول { يعلمون } { فلا تكونن من الممترين } الشاكين في أنه من ربك ، أو في كتمانهم الحق عالمين به ، وليس المراد به نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشك فيه ، لأنه غير متوقع منه وليس بقصد واختيار ، بل إما تحقيق الأمر وإنه بحيث لا يشك فيه ناظر ، أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ .