نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

ولأن هذا المجموع يفيد قهر الحق للخلق بما شاء منهم من هدى وفتنة لتظهر فيها رحمته ونقمته{[5528]} وهو الحق الذي هو ماضي الحكم الذي جبلّة محمد صلى الله عليه وسلم تتقاضى التوقف فيه لما هو عليه من طلب الرحمة ولزوم حكم الوصية خاطبه الحق بقوله : { الحق } أي هذا التفريق والتصنيف الموجب لعمارات درجات الجنة وعمارات دركات النار هو الحق ، أو يكون المعنى : الحق الذي أخبرت به في هذه السورة أو الآيات ، أو جنس الحق{[5529]} كائن { من ربك } أي المحسن إليك بطرد من يضر اتباعه كما{[5530]} هو محسن إليك بالإقبال بمن ينفع اتباعه { فلا تكونن{[5531]} من الممترين } فيما فسر نحوه من اشتباه المرتبتين الواقعة منه فيما بين الفضل والعدل والواقعة من غيره فيما بين الجور والعدل انتهى . وفيه زيادة وتغيير ، وفي تأكيد الأمر تارة بالعلم وتارة بالمعرفة وتارة بغيرهما تأكيد لوجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم وإزاحة لما يلقيه السفهاء العالمون به من الشبه . قال الحرالي : والممتري من الامتراء وهو تكلف المرية وهي مجادلة تستخرج السوء من خبيئة{[5532]} المجادل ، من امتراء ما في الضرع وهو استيصاله حلباً ، ولأنه حال الشاك ربما أطلق عليه .


[5528]:من م و ظ ومد، وفي الأصل: نقمته- كذا
[5529]:أو للجنس على معنى أن الحق هو من عند الله لا من غيره أي ما ثبت أنه حق فهو من الله كالذي عليه الرسول، وما لم تثبت حقيقته فليس من الله كالباطل الذي عليه أهل الكتاب، وقرأ علي ابن أبي طالب "الحق" بالنصب وأعرب بأن يكون بدلا من الحق المكتوم فيكون التقدير: يكتمون الحق من ربك؛ قاله الزمخشري –البحر المحيط 1/ 436
[5530]:في م: لما
[5531]:والمراد بهذا الخطاب في المعنى هو الأمة، ودل "على وجودهم، وهى أن يكون منهم والنهي عن كونه منهم أبلغ من النهي عن نفس الفعل... والمعنى: فلا تكونن من الذين يشكون في الحق، لأن ما جاء من الله تعالى لا يمكن أن يقع فيه شك ولا جدال، إذ هو الحق المحض الذي لا يمكن أن يلحق فيه ريب ولا شك –البحر المحيط 1/ 437.
[5532]:من ظ، وفي الأصل و م ومد: خبئة -كذا