مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

أما قوله : { الحق من ربك } ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : يحتمل أن يكون { الحق } خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الحق ، وقوله : { من ربك } يجوز أن يكون خبرا بغير خبر ، وأن يكون حالا ، ويجوز أيضا أن يكون مبتدأ خبره : { من ربك } وقرأ علي رضي الله عنه : { لحق من ربك } على الإبدال من الأول ، أي يكتمون الحق من ربك .

المسألة الثانية : الألف واللام في قوله : { الحق } فيه وجهان : الأول : أن يكون للعهد ، والإشارة إلى الحق الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى الحق الذي في قوله : { ليكتمون الحق } أي هذا الذي يكتمونه هو الحق من ربك ، وأن يكون للجنس على معنى : الحق من الله تعالى لا من غيره يعني إن الحق ما ثبت أنه من الله تعالى كالذي أنت عليه وما لم يثبت أنه من الله كالذي عليه أهل الكتاب فهو الباطل .

أما قوله : { فلا تكونن من الممترين } ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : { فلا تكونن من الممترين } في ماذا اختلفوا فيه على أقوال . ( أحدها ) : فلا تكونن من الممترين في أن الذين تقدم ذكرهم علموا صحة نبوتك ، وأن بعضهم عاند وكتم ، قاله الحسن ( وثانيها ) : بل يرجع إلى أمر القبلة . ( وثالثها ) : إلى صحة نبوته وشرعه ، وهذا هو الأقرب لأن أقرب المذكورات إليه قوله : { الحق من ربك } فإذا كان ظاهره يقتضي النبوة وما تشتمل عليه من قرآن ووحي وشريعة ، فقوله : { فلا تكونن من الممترين } وجب أن يكون راجعا إليه .

المسألة الثانية : أنه تعالى وإن نهاه عن الامتراء فلا يدل ذلك على أنه كان شاكا فيه ، وقد تقدم القول في بيان هذه المسألة والله أعلم .