المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( 147 )

وقوله تعالى : { الحق من ربك } ، { الحقُّ } رفع على إضمار الابتداء والتقدير هو الحق ، ويصح أن يكون ابتداء والخبر مقدر بعده( {[1398]} ) ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه { الحقَّ } بالنصب ، على أن العامل فيه { يعلمون } ، ويصح نصبه على تقدير : الزم الحق .

وقوله تعالى : { فلا تكونن من الممترين } ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، وامترى في الشيء إذا شك فيه ، ومنه المراء لأن هذا يشك في قول هذا ، وأنشد الطبري - شاهداً على أن الممترين الشاكون- قول الأعشى : [ المتقارب ]

تدر على اسؤق الممترين . . . ركضاً إذا ما السراب ارجحن( {[1399]} )

ووهم في ذلك لأن أبا عبيدة وغيره قالوا : الممترون في البيت هم الذين يْمرون الخيل بأرجلهم همزاً لتجري كأنهم يحتلبون الجري منها( {[1400]} ) ، فليس في البيت معنى من الشك كما قال الطبري( {[1401]} ) .


[1398]:- هذا بعيد والأولى أن يكون الخبر (من ربّك).
[1399]:- قبله: تبـاري الزجَاج مغَـاويرُهــا شَماطِيط في وهَج كالدَّخَــنْ يغمز الفرسان الأفراس بأرجلهم في شدة القيظ فتدر على أسؤقهم ركضا إذا ارْجَحَنَّ السراب أي ارتفع وعلا، والزِّجَاجُ: جمع (زُجٍّ) وهو الحديدة التي في أسفل الرمح – والمغوار من الرجال: المقاتل الكثير الغارات على أعدائه. والشماطيط: الفرق يقال: تفرق القوم شماطيط: إي فِرَقا، ويقال: جاءت الخيل شماطيط: أي متفرقة أرسالا. والدَّخَن: الدخان. ويقال لساق الراكب دِرَّةٌ: أي استدرار لجري الدابة – والأسؤُق: جمع ساق. ويجمع ساق أيضا على سوق وسيقان.
[1400]:- أي يستخرجون ما فيها من قوة الجري.
[1401]:- قال (ق) رحمه الله: بل معنى الشك فيه موجود لأنه يحتمل أن نختبر الفرس صاحبه أهو على ما عهد منه من الجري أم لا ؟، لئلا يكون أصابه شيء – أو يكون هذا أول شرائه فيجريه ليعلم مقدار جريه فهو في شك من أمر الفرس، ولذلك كان الاحتجاج به صحيحا.