في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ} (58)

33

وعندما يصل السياق إلى هذا الحد من قصة عيسى التي تدور حولها المناظرة ويدور حولها الجدل ، يبدأ التعقيب الذي يقرر الحقائق الأساسية المستفادة من هذا القصص ، وينتهي إلى تلقين الرسول [ ص ] ما يواجه به أهل الكتاب مواجهة فاصلة تنهي الحوار والجدل ؛ وتستقر على حقيقة ما جاء به ، وما يدعو إليه ، في وضوح كامل وفي يقين :

( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم . إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب . ثم قال له : كن . فيكون . الحق من ربك فلا تكن من الممترين . فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل : تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ، ونساءنا ونساءكم ، وأنفسنا وأنفسكم ، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق ، وما من إله إلا الله . وإن الله لهو العزيز الحكيم . فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين . قل : يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم : ألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله . فإن تولوا فقولوا : اشهدوا بأنا مسلمون ) . .

وهكذا نجد هذا التعقيب يتضمن ابتداء صدق الوحي الذي يوحى إلى محمد [ ص ] :

( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ) . .

ذلك القصص . وذلك التوجيه القرآني كله . فهو وحي من الله . يتلوه الله على نبيه [ ص ] وفي التعبير معنى التكريم والقرب والود . . فماذا بعد أن يتولى الله تعالى التلاوة على محمد نبيه ؟ تلاوة الآيات والذكر الحكيم . . وإنه لحكيم يتولى تقرير الحقائق الكبرى في النفس والحياة بمنهج وأسلوب وطريقة تخاطب الفطرة وتتلطف في الدخول عليها واللصوق بها بشكل غير معهود فيما يصدر عن غير هذا المصدر الفريد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ} (58)

ثم قال تعالى : { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } أي : هذا الذي قَصَصْنَاه عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره ، هو مما قاله الله تعالى ، وأوحاه إليك ونزله عليك من اللوح المحفوظ ، فلا مرية فيه ولا شك ، كما قال تعالى في سورة مريم : { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ . مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ مريم : 34 - 35 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ} (58)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ }

يعني بقوله جلّ ثناؤه : ذلك هذه الأنباء التي أنبأ بها نبيه عن عيسى وأمه مريم ، وأمها حنة ، وزكريا وابنه يحيى ، وما قصّ من أمر الحواريين ، واليهود من بني إسرائيل¹ نتلوها عليك يا محمد ، يقول : نقرؤها عليك يا محمد ، على لسان جبريل صلى الله عليه وسلم ، بوحيناها إليك { منَ الآياتِ } يقول : من العبر والحجج ، على من حاجك من وفد نصارى نجران ويهود بني إسرائيل ، الذين كذّبوك ، وكذّبوا ما جئتهم به من الحقّ من عندي . { والذّكْر } يعني : والقرآن { الحَكِيم } يعني : ذي الحكمة الفاصلة بين الحقّ والباطل ، وبينك وبين ناسبي المسيح إلى غير نسبه .

كما : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الاَياتِ وَالذّكْرِ الحَكِيمِ } القاطع الفاصل الحقّ ، الذي لم يخلطه الباطل من الخبر عن عيسى ، وعما اختلفوا فيه من أمره ، فلا تقبلن خبرا غيره .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذّكْرِ الحَكِيمِ } قال : القرآن .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : { وَالذّكْرِ } يقول : القرآن الحكيم الذي قد كمل في حكمته .