في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗا وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (46)

33

كما تضمنت ظاهرة معجزة تصاحب مولده ( ويكلم الناس في المهد ) . . ولمحة من مستقبله ( وكهلا ) . . وسمته والموكب الذي ينتسب إليه : ( ومن الصالحين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗا وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (46)

وقوله : { وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا } أي : يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، في حال صغره ، معجزة وآية ، و[ في ]{[5043]} حال كهوليته{[5044]} حين يوحي الله إليه بذلك { وَمِنَ الصَّالِحِينَ } أي : في قوله وعمله ، له علم صحيح وعمل صالح .

قال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط ، عن محمد بن شرحبيل ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا تَكَلَّمَ مَوْلُود فِي صِغَرِهِ إلا عِيسَى وصَاحِبَ جُرَيْج " {[5045]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو الصقر يحيى بن محمد بن قَزْعَة ، حدثنا الحسين - يعني المروزي - حدثنا جرير - يعني ابن حازم - عن محمد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لمَْ يَتَكَّلَمْ فِي المهدِ إلا ثَلاثَة ، عِيسى ، وصَبِيٌّ كَانَ فِي زَمَنِ جُرَيْج ، وصبيٌّ آخَرُ " {[5046]} .


[5043]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[5044]:في جـ، أ، و: "كهولته".
[5045]:ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (2/272، 273) من طريق أبيه عن أحمد بن شعيب عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق به.
[5046]:تفسير ابن أبي حاتم (2/272) ورواه البخاري في صحيحه برقم (3436) (2482) ومسلم في صحيحه برقم (2550) من طريق جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗا وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ }

أما قوله : { وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ } فإن معناه : أن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، وجيها عند الله ، ومكلما الناس في المهد . ف«يكلّم » وإن كان مرفوعا ، لأنه في صورة «يَفْعَلُ » بالسلامة من العوامل فيه ، فإنه في موضع نصب ، وهو نظير قول الشاعر :

بِتّ أُعَشّيها بِعَضْبٍ باتِرِ *** يَقْصِدُ في أسْوُقِها وَجائِرِ

وأما المهد : فإنه يعني به مضجع الصبيّ في رضاعه . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ } قال : مضجع الصبيّ في رضاعه .

وأما قوله : { وَكَهْلاً } فإنه ومحتَنِكا فوق الغلومة ودون الشيخوخة ، يقال منه : رجل كهل ، وامرأة كهلة ، كما قال الراجز :

وَلا أَعُودُ بَعْدَهَا كَرِيّا *** أُمَارِسُ الكَهْلَةَ وَالصّبِيّا

وإنما عنى جلّ ثناؤه بقوله : { وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً } : ويكلم الناس طفلاً في المهد ، دلالة على براءة أمه مما قذفها به المفترون عليها ، وحجة له على نبوّته ، وبالغا كبيرا بعد احتناكه بوحي الله الذي يوحيه إليه ، وأمره ونهيه ، وما تقوّل عليه من كتابه . وإنما أخبر الله عزّ وجلّ عباده بذلك من أمر المسيح ، وأنه كذلك كان ، وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلمون كهولاً وشيوخا ، احتجاجا به على القائلين فيه من أهل الكفر بالله من النصارى بالباطل ، وأنه كان في معاناة أشياء مولودا طفلاً ، ثم كهلاً يتقلّب في الأحداث ، ويتغير بمرور الأزمنة عليه والأيام ، من صغر إلى كبر ، ومن حال إلى حال ، وأنه لو كان كما قال الملحدون فيه ، كان ذلك غير جائز عليه ، فكذب بذلك ما قاله الوفد من أهل نجران ، الذين حاجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، واحتجّ به عليهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأعلمهم أنه كان كسائر بني آدم ، إلا ما خصه الله به من الكرامة التي أبانه بها منهم . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ } يخبرهم بحالاته التي يتقلب بها في عمره كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارا وكبارا ، إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوّته ، وتعريفا للعباد مواقع قدرته .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ } يقول : يكلمهم صغيرا وكبيرا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً } قال : يكلمهم صغيرا وكبيرا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ } قال : الكهل : الحليم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : كلمهم صغيرا وكبيرا وكهلاً . وقال ابن جريج ، وقال مجاهد : الكهل : الحليم .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : { وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً } قال : كلمهم في المَهْدِ صَبِيّا ، وكلمهم كبيرا .

وقال آخرون : معنى قوله : { وَكَهْلاً } : أنه سيكلمهم إذا ظهر . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعته يعني ابن زيد يقول في قوله : { وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً } قال : قد كلمهم عيسى في المهد ، وسيكلمهم إذا قتل الدجال ، وهو يومئذٍ كهل .

ونصب كهلاً عطفا على موضع : ويكلم الناس . وأما قوله : { وَمِنَ الصّالِحِينَ } فإنه يعني : من عدادهم وأوليائهم لأن أهل الصلاح بعضهم من بعض في الدين والفضل .