في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ} (35)

والقرآن يواجه هذه الخيلاء الشريرة بالتهديد والوعيد :

( أولى لك فأولى . ثم أولى لك فأولى ) . .

وهو تعبير اصطلاحي يتضمن التهديد والوعيد ، وقد أمسك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بخناق أبي جهل مرة ، وهزه ، وهو يقول له : ( أولى لك فأولى . ثم أولى لك فأولى ) . . فقال عدو الله : أتوعدني يا محمد ? والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا . وإني لأعز من مشى بين جبليها ! ! فأخذه الله يوم بدر بيد المؤمنين بمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] وبرب محمد القوي القهار المتكبر . ومن قبله قال فرعون لقومه : ( ما علمت لكم من إله غيري ) . . وقال : ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ? ) . . ثم أخذه الله كذلك .

وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوات يعتز بعشيرته وبقوته وبسلطانه ؛ ويحسبها شيئا ؛ وينسى الله وأخذه . حتى يأخذه أهون من بعوضة ، وأحقر من ذبابة . . إنما هو الأجل الموعود لا يستقدم لحظة ولا يستأخر .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ} (35)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]

وقوله:"أوْلَى لَكَ فأَوْلَى ثُمّ أوْلَى لَكَ فأَوْلَى "هذا وعيد من الله على وعيد لأبي جهل عن قتادة، قال: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده، يعني بيد أبي جهل، فقال: أوْلَى لَكَ فأَوْلَى ثُمّ أوْلَى لكَ فأَوْلَى فقال: يا محمد ما تستطيع أنت وربك فيّ شيئا، إني لأعزّ من مشى بين جبليها فلما كان يوم بدر أشرف عليهم فقال: لا يُعبد الله بعد هذا اليوم، وضرب الله عنقه، وقتله شرّ قِتلة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]

قال أهل التأويل: هذا وعيد على وعيد؛ كأنه قال: ويل لك فويل، ثم ويل لك فويل؛ ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بجميع ثيابه، وقال له هذا، فلم يتهيأ لذلك المسكين لأن يدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وكان يفتخر بكثرة أنصاره، أنه أعز من يمشي بين الجبلين. والله تعالى بلطفه أذله، وأهانه، حتى لم يتهيأ له الحراك مما نزل به، ولا نفعته قواه وكثرة أتباعه.

وجائز أن يكون قوله: {أولى لك فأولى} أي لأجدر بك أن تنظر في ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الذي كان عليه آباؤك ليظهر لك الصواب من الخطأ والحق من الباطل، فتتبع الصواب من ذلك. فتتجهز به شرف الدنيا والآخرة، إذ كان يفتخر بشرفه وعزه؛ فإن أردت أن يدوم لك الشرف، فالأولى لك أن تنظر إلى ما ذكرنا، فتبع الصواب من ذلك.

والثاني: أن العرب كانت عادتها أن تقوم بنصر قبيلتها، وتذب عنها: كانت ظالمة في ذلك أو لم تكن ظالمة في ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان من قبيلة أبي جهل. فلو كان على غير حق عنده كان الأولى به أن ينصره ويعينه على ما عليه عادة العرب، وإن كان محقا فهو أولى. فترك ما هو أولى من النصر والحماية.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]

العَربُ إذا دَعَتْ على أحدٍ بالمكروه قالوا: {أَوْلَى لَكَ} وهنا أتبع اللفظَ اللفظَ على سبيل المبالغة. ويقال: معناه الويلُ لَكَ يومَ تَحيا. والويلُ لكَ يوم تَموت، والويلُ لكَ يومَ تُبْعَث، والويلُ لكَ يومَ تدخل النار.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{أولى لك فأولى} هذا وعيد على وعيد من الله عز وجل لأبي جهل، وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد. وقال بعض العلماء: معناه أنك أجدر بهذا العذاب وأحق وأولى به.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]

وهذا تهديد ووعيد أكيد منه تعالى للكافر به المتبختر في مشيته، أي: يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ} (35)

فقال مشيراً بأداة التراخي إلى عظيم ما ارتكب وقوة استحقاقه لهذا التأكيد : { ثم أولى لك } أي أيها الذي قد أحل نفسه بالغفلة دون محل البهائم { فأولى * } أي وصلت إلى هذا الهلاك بداهية تعقبها{[70329]} تارة متوالياً وتارة متراخياً ، وبعضها أعظم من بعض ، لحقك ذلك لا محالة ، فإن هذا دعاء ممن{[70330]} بيده الأمر كله ، ويجوز أن يكون المعنى{[70331]} : أولى لك أن تترك ما أنت عليه وتقبل على ما ينفعك ، وقال ابن جرير في تفسير المدثر{[70332]} : إن أبا جهل لما استهزأ على جعل خزنة{[70333]} النار تسعة عشر أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيأخذ بيده في بطحاء مكة فيقول{[70334]} له : أولى لك - إلى آخرها ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل : والله لا تفعل أنت وربك شيئاً ، فأخزاه الله -{[70335]} يوم بدر - انتهى . ويمكن تنزيل الكلمات الأربع على حالاته{[70336]} الأربع : الحياة ثم الموت ثم البعث ثم دخول النار ، فيكون المعنى : لك المكروه الآن وفي الموت والبعث ودخول النار . قال البغوي{[70337]} : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لكل أمة فرعوناً ، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل " وقد أفهمت الآية أن من أصلح قوتي علمه وعمله بأن صدق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأقبل وأقام الصلاة فتبعتها{[70338]} جميع الأعمال التي هي عمادها ، فنشأ عن ذلك خلق حسن وهو الوجل مع الطاعة ، فهنالك{[70339]} يقال له : بشرى لك فبشرى ثم بشرى لك-{[70340]} فبشرى .


[70329]:من ظ و م، و م الأصل: تعقب لها.
[70330]:من ظ و م، وفي الأصل: من.
[70331]:راجع 29/87.
[70332]:راجع 29/87.
[70333]:من ظ و م، وفي الأصل: ملائكة.
[70334]:في م: ويقول.
[70335]:زيد من ظ و م والتفسير.
[70336]:من ظ و م، وفي الأصل: حالته.
[70337]:راجع المعالم 7/156.
[70338]:من ظ و م، وفي الأصل: تبعتها.
[70339]:من ظ و م، وفي الأصل: هنالك.
[70340]:زيد من ظ و م.