في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (86)

74

وقبل أن نغادر هذه الفقرة نحب أن نستمتع بنفحة من نفحات الحياة في عصر صحابة رسول الله [ ص ]

- وهذا القرآن يتنزل عليهم غضا ؛ وتشربه نفوسهم ؛ وتعيش به وله ؛ وتتعامل به وتتعايش بمدلولاته وإيحاءاته ومقتضياته ، في جد وفي وعي وفي التزام عجيب ، تأخذنا روعته وتبهرنا جديته ؛ وندرك منه كيف كان هذا الرهط الفريد من الناس ، وكيف صنع الله بهذا الرهط ما صنع من وفي الآيات ذكر لسبعة عشر نبيا رسولا - غير نوح وإبراهيم - وإشارة إلى آخرين ( من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ) . . والتعقيبات على هذا الموكب : ( وكذلك نجزي المحسنين ) . ( وكلا فضلنا على العالمين ) . . ( واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ) . . وكلها تعقيبات تقرر إحسان هذا الرهط الكريم واصطفاءه من الله ، وهدايته إلى الطريق المستقيم .

وذكر هذا الرهط على هذا النحو ، واستعراض هذا الموكب في هذه الصورة ، كله تمهيد للتقريرات التي تليه :

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (86)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضا من ذرّية نوح إسماعيل، وهو إسماعيل بن إبراهيم، واليسع، ويُونُسَ هو يونس بن متى، ولُوطا "وكلاّ فَضّلْنا "من ذرية نوح ونوحا؛ لهم بيّنا الحقّ ووفقناهم له. وفضلنا جميعهم "عَلى العَالَمِينَ": على عالم أزمانهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وكلا فضلنا على العالمين} وهذا، والله أعلم، ليس على تخصيص كل فريق بما ذكر من الذكر، ولكن على الجمع أنهم محسنون صالحون مفضلون على العالمين. ثم يحتمل التفضيل لهم بالنبوة أنهم فضلوا على العالمين بالنبوة... ثم يحتمل أنه سماهم محسنين باختيارهم الحال التي كانوا أهلا للرسالة والنبوة. فإن كان هذا فهم الرسل خاصة. ويحتمل [قوله تعالى: {المحسنين} [الآية: 84] محسنين] باختيارهم الهداية وإصابة الحق. فإن كان هذا فهو مما يشترك الأنبياء وأهل الإسلام فيه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

..و (كلّ) يقتضي استغراق ما أضيف إليه. وحكم الاستغراق أن يثبت الحكم لكلّ فرد فرد لا للمجموع. والمراد تفضيل كلّ واحد منهم على العالمين من أهل عصره عدا من كان أفضلَ منه أو مساوياً له، فاللاّم في {العالمين} للاستغراق العرفي، فقد كان لوط في عصر إبراهيم وإبراهيم أفضلُ منه. وكان من غيرهما من كانوا في عصر واحد ولا يعرف فضل أحدهم على الآخر. وقال عبد الجبّار: يمكن أن يقال: المراد وكلّ من الأنبياء يُفضّلون على كلّ مَن سواهم من العالمين. ثمّ الكلام بعد ذلك في أنّ أي الأنبياء أفضل من الآخر كلام في غرض آخر لا تعلّق له بالأوّل اه. ولا يستقيم لأنّ مقتضى حكم الاستغراق الحكم على كلّ فردٍ فردٍ. وتتعلّق بهذه الآية مسألة مهمّة من مسائِل أصول الدّين. وهي ثبوت نبوءة الّذين جرى ذكر أسمائهم فيها، وما يترتّب على ثبوت ذلك من أحكام في الإيمان وحقّ النّبوءة. وقد أعرض عن ذكرها المفسّرون وكان ينبغي التّعرّض لها لأنَّها تتفرّع إلى مسائل تهمّ طالب العلوم الإسلاميّة مَعرفتُها، وأحقّ مظِنّة بذكرها هو هذه الآية وما هو بمعنى بعضها. فأمّا ثبوت نبوءة الّذين ذُكرت أسماؤهم فيها فلأنّ الله تعالى قال بعد أن عدّ أسماءهم {أولئك الّذين آتيناهم الكِتاب والحُكم والنّبوءة}. فثبوت النّبوءة لهم أمر متقرّر لأنّ اسم إشارة {أولئك} قريب من النصّ في عوده إلى جميع المسمَّيْنَ قبله مع ما يعضّده ويكمّله من النصّ بنبوءة بعضهم في آيات تماثِل هذه الآية، مثل آية سورة النّساء (163) {إنَّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} الآيات، ومثل الآيات من سورة مريم (41) واذكر في الكتاب إبراهيم الآيات.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

المجموعة الثالثة: هي ذرية إبراهيم من العرب وهم إسماعيل باني الكعبة مع أبيه وابنه البكر، والذبيح الذي فداه الله تعالى بذبح عظيم، وقد قال: يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله مع الصابرين واليسع ويونس، ولوط وكان ابن أخيه فكان من ذريته بهذا الاعتبار.

وكان من صلب إسماعيل محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا كان لهم فضل فوق كل فضل سبقه، لأنه اجتمع في محمد صلى الله عليه وسلم والصبر والاقدام في موطن الإقدام والروحانية بما لا يقل عن روحانية عيسى، ولذلك قال تعالى: (وكلا فضلنا على العالمين) أي أن كل واحد من هؤلاء كان له فضل على العالمين بفضل الله تعالى والله ذو فضل عظيم.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

.. {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً}، وقد ابتلاهم الله بظروف صعبةٍ، ومشاكل معقدة في حياتهم، وواجهوا ذلك كله بالإيمان والصبر والمسؤولية العالية، حتى استطاعوا أن يقدّموا من أنفسهم النموذج الأمثل للإنسان المؤمن الصابر أمام المصاعب والتحديات، والواثق بالله في ما ينتظره من فرج وانتصار. وقد قدّم الله سبحانه لكل نموذج من هؤلاء وصفاً خاصاً يتناسب مع طبيعة الدور الذي أوكله إليه.. فمع النموذج الأوّل جاءت فقرة: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} في ما تفرضه حركة السلطة العادلة والقوّة المسؤولة من إحسانٍ للناس في تقديم العدالة لهم، وتقوية ضعفهم. وفي النموذج الثاني، جاءت فقرة: {كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} في ما توحي به كلمة الصلاح من معانٍ روحيّةٍ تلتقي بالصفاء والوداعة والربّانية في القول وفي العمل، والزهد في مواجهة شهوات الدنيا.. وفي النموذج الثالث: {وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} لما يحتويه البلاء من اختبارٍ للطاقة الروحية، وفي ما ينتهي إليه من انتصارٍ على تحدياته ومشاكله، وفي ما ينطلق معه من مواقف وتطلعات، ما يعطي معنى الفضل على الجوّ الذي يحيط بهم، والتفضيل على الناس الذين يعيشون معهم..