ثم يستدير التعبير - بعد مواراة الفعل الذي نشأ عنه العتاب - يستدير إلى العتاب في صيغة الخطاب . فيبدأ هادئا شيئا ما : ( وما يدريك لعله يزكى ? أو يذكر فتنفعه الذكرى ? ) . . ما يدريك أن يتحقق هذا الخير الكبير . أن يتطهر هذا الرجل الأعمى الفقير - الذي جاءك راغبا فيما عندك من الخير - وأن يتيقظ قلبه فيتذكر فتنفعه الذكرى .
وما يدريك أن يشرق هذا القلب بقبس من نور الله ، فيستحيل منارة في الأرض تستقبل نور السماء ? الأمر الذي يتحقق كلما تفتح قلب للهدى وتمت حقيقة الإيمان فيه . وهو الأمر العظيم الثقيل في ميزان الله . .
{ أَوْ يَذَّكَّرُ } أي يتعظ { فَتَنفَعَهُ الذكرى } أي ذكراك وموعظتك والمعنى أنك لا تدري ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر ولو دريت لما كان الذي كان والغرض نفي دراية أنه يزكي أو يذكر والترجي راجع إلى الأعمى أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما قيل دلالة على أن رجاء تزكيه أو كونه ممن يرجى منه ذلك كاف في الامتناع من العبوس والإعراض كيف وقد كان استركاؤه محققاً ولما هضم من حقه في تعلق الرجاء به لا التحقق اعتبر متعلق التزكي بعض الأوضار ترشيحاً لذلك وفيه إظهار ما يقتضي مقام العظمة ههنا من إطلاق التزكي وحمله على ما ينطلق عليه الاسم لا الكامل وقال بعضهم متعلق الدراية محذوف أي ما يدريك أمره وعاقبة حاله ويطلعك على ذلك وقوله سبحانه { لَعَلَّهُ } الخ استئناف وارد لبيان ما يلوح به ما قبله فإن مع إشعاره بأن له شأنا منافياً للإعراض عنه خارجاً عن دراية الغير وإدرائه مؤذن بأنه تعالى يدريه ذلك واعتبر في التزكي الكمال فقال أي لعله يتطهر بما يقتبس منك من أوضار الإثم بالكلية أو يتذكر فتنفعه موعظتك إن لم تبلغ درجة التزكي التام ولعل الأول أبعد مغزى وقدم التزكي على التذكر لتقدم التخلية على التحلية وخص بعضهم الثاني بما إذا كان يتعلمه من النوافر والأول بما إذا كان سوى ذلك وهو كما ترى وفي الآية تعريض وإشعار بأن من تصدى صلى الله عليه وسلم لتزيكتهم وتذكيرهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي والتذكر أصلاً فهي كقولك لمن يقرر مسألة لمن لا يفهمها وعنده آخر قابل لفهمها لعل هذا يفهم ما تقرر فإنه يشعر بأنه قصد تفهيم غيره وليس بأهل لما قصده وقيل جاء التعريض من جهة أن المحدث عنه كان متزكياً من الآثام متعظاً وقيل ضمير لعله للكافر والترجي راجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي إنك طمعت في تزكيه بالإسلام وتذكره بالموعظة ولذلك أعرضت عن غيره فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن وضعف بعدم تقدم ذكر الكافر وبإفراد الضمير والظاهر جمعه أي بناء على المشهور في أن من تشاغل عليه الصلاة والسلام به كان جمعاً وجاء في بعض الروايات أنه كان واحداً وقرأ الأعرج وعاصم في رواية أو يذكر بسكون الذال وضم الكاف وقرأ الأكثر فتنفعه بالرفع عطفاً على يذكر وبالنصب قرأ عاصم في المشهور والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزعفراني وهو عند البصريين بإضمار أن بعد الفاء وعند الكوفيين في جواب الترجي وهو كالتمني عندهم ينصب في جوابه وفي «الكشف » أن النصب يؤيد رجوع ضمير لعله على الكافر لإشمام الترجي ومعنى التمني لبعد المرجو من الحصول أي بالنطر إلى المجموع إذ قد حصل من الباس وعلى السابق وجهه ترشيح معنى الهضم فتذكر .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني يعتبر فينفعه الاعتبار والاتعاظ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدهما: أن يكون يتذكر بتذكرك إياه، فينتفع بتذكرك.
والثاني: أن يتذكر في ما ذكرته من العواقب وما يحق في حالة فينتفع به. فتكون المنفعة في التأويل الأول بالتذكر بنفس تذكر الرسول صلى الله عليه وسلم...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
وفي الذكرى وجهان: أحدها: الفقه. الثاني: العظة.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(أو يذكر) معناه أو يتذكر ما أمره الله تعالى به، ويفكر فيما أمره بالفكر فيه. وقد حث الله تعالى على التذكير في غير موضع من القرآن...
(فتنفعه الذكرى) أي الفكر فيما أمره الله به من القرآن وغيره من الأدلة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَوْ يَذَّكَّرُ} أو يتعظ {فَتَنفَعَهُ} ذكراك، أي: موعظتك؛ وتكون له لطفاً في بعض الطاعات. والمعنى: أنك لا تدري ما هو مترقب منه، من تزكّ أو تذكر، ولو دريت لما فرط ذلك...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أو يذكر أي أو يقع منه التذكر لشيء يكون سبباً لزكائه وتذكره ولو كان ذلك منه على أدنى الوجوه المخرجة من الكفر فإن الخير لا يحقر شيء منه، وسبب عن تزكيه وتذكره قوله: {فتنفعه} أي عقب تذكره وسببه {الذكرى} وفي ذلك إيماء إلى أن الإعراض كان لتزكية غيره وتذكره،...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: يتذكر ما ينفعه، فيعمل بتلك الذكرى. وهذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين،...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والذكرى: اسم مصدر التذكير. وفي قوله تعالى: {فتنفعه الذكرى} اكتفاء عن أن يقول: فينفعه التزكي وتنفعه الذكرى لظهور أن كليهما نفع له. والذكرى: هو القرآن لأنّه يذكّر الناس بما يغفلون عنه قال تعالى: {وما هو إلا ذكر للعالمين} [القلم: 52]...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فإن لم يحصل على التقوى، فلا أقل من أن يتذكر ويستيقظ من الغفلة، فتنفعه ذلك...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.