في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

والهول في هذا المشهد هول نفسي بحت ، يفزع النفس ويفصلها عن محيطها . ويستبد بها استبدادا . فلكل نفسه وشأنه ، ولديه الكفاية من الهم الخاص به ، الذي لا يدع له فضلة من وعي أو جهد : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) . .

" والظلال الكامنة وراء هذه العبارة وفي طياتها ظلال عميقة سحيقة . فما يوجد أخصر ولا أشمل من هذا التعبير ، لتصوير الهم الذي يشغل الحس والضمير : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) !

ذلك حال الخلق جميعا في هول ذلك اليوم . . إذا جاءت الصاخة . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

شأنٌ يغنيه : شغل يصرفه عن مساعدة غيره .

إن كل إنسان في ذلك اليوم له شأنٌ يَشْغَله عن غيره .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

{ لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } فإنه استئناف وارد لبيان سبب الفرار وجعله جواب إذا والاعتذار عن عدم التصدير بالفاء بتقدير الماضي بغير قد أو المضارع المثبت أو بالفاء إبدال يوم يفر المرء عنه إياه لأن البدل لا يطلب جزاء لا يخفي حاله على من شرط الإنصاف على نفسه أي لكل واحد من المذكورين شغل شاغل وخطب هائل يكفيه في الاهتمام به وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي والحاكم وصححه عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً قد الجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان قلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضهم إلى بعض قال شغل الناس عن ذلك وتلا يوم يفر » الآية وجاء في رواية الطبراني عن سهل بن سعد أنه قيل له عليه الصلاة والسلام ما شغلهم فقال صلى الله عليه وسلم : «نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل » وقيل يفر منهم لعلمه أنهم لا يغنون عنه شيئاً وكلام الكشاف يشعر بذلك ويأباه ما سمعت وكذا ما قيل يفر منهم حذراً من مطالبتهم بالتبعات يقول الأخ لم تواسني بمالك والأبوان قصرت في برنا والصاحبة أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت والبنون لم تعلمنا ولم ترشدنا ويشعر بذلك ما أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن قتادة قال ليس شيء أشد على الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن يكون يطلبه بمظلمة ثم قرأ يوم يفر الآية وذكر المرء بناءً على أنه الرجل لا الإنسان ليعلم منه حال المرأة من باب أولى وقيل هو من باب التغليب وفيه نظر وجعل القاضي ذكر المتعاطفات على هذا النمط من باب الترقي على اعتبار عطف الأب على الأم سابقاً على عطفهما على الأخ فيكون المجموع معطوفاً عليه وكذا في صاحبته وبنيه فقال تأخير الأحب فالأحب للمبالغة كأنه قيل يفر من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه ولا يخفي تكلفه مع اختلاف الناس والطباع في أمر الحب ولعل عدم مراعاة ترق أو تدل لهذا الاختلاف مع الرمز إلى أن الأمر يومئذٍ أبعد من أن يخطر بالبال فيه ذلك وروي عن ابن عباس أنه يفر قابيل من أخيه هابيل ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه ويفر إبراهيم عليه السلام من أبيه ويفر نوح عليه السلام من ابنه ويفر لوط عليه السلام من امرأته وفي خبر رواه ابن عساكر عن الحسن نحو ذلك وفيه فيرون أن هذه الآية أعني يوم يفر الخ نزلت فيهم وكلا الخبرين لا يعول عليهما ولا ينبغي أن يلتفت إليهما كما لا يخفي والذي أدين الله تعالى به نجاة أبويه صلى الله عليه وسلم وقد ألفت رسائل في ذلك رغماً لأنف علي القاري ومن وافقه وأعتقد أن جميع آبائه عليه الصلاة والسلام لاسيما من ولداه بلا واسطة أوفر الناس حظاً مما أوتي هناك من السعادة والشرف وسمو القدر

. كم من أب قد سما بابن ذرى شرف *** كما سما برسول الله عدنان

وقرأ ابن محيصن وابن أبي عبلة وحميد وابن السميفع يعنيه بفتح الياء وبالعين المهملة أي يهمه من عناه الأمر إذا أهمه أي أوقعه في الهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » لا من عناه إذا قصده كما زعمه أبو حيان .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

قوله : { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } كل إنسان يوم القيامة مشغول بأمره وهمه فما يعنيه أحد من الناس وإنما يعنيه نفسه دون سواها . وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة : " أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق يقول : نفسي لا أسألك إلا نفسي ، حتى أن عيسى ابن مريم يقول : لا أسأله اليوم إلا نفسي . لا أسأله مريم التي ولدتني " .

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحشرون حفاة عراة مشاة غرلا " فقالت زوجته ( عائشة ) : يا رسول الله ! ننظر أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال : { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } – أو قال : " ما أشغله عن النظر " .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ} (37)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ "يقول: فإذا جاءت الصاخة، في هذا اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه. ويعني بقوله: يفرّ من أخيه: يفرّ عن أخيه "وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ" يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا "وَبَنِيهِ" حَذرا من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التّبعات والمظالم. وقال بعضهم: معنى قوله: يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ: يفرّ عن أخيه لئلا يراه، وما ينزل به.

"لكُلّ امْرِئ مِنْهُمْ" يعني من الرجل وأخيه وأمه وأبيه، وسائر من ذُكر في هذه الآية "يَوْمَئِذٍ" يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخّة يوم القيامة "شأْنٌ يُغْنِيهِ" يقول: أمر يغنيه، ويُشغله عن شأن غيره.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قالوا: أقصى كل إنسان ما يشغله عن غيره...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

يشغله عن شأن غيره...عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق، وبلغ شحوم الآذان". فقلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال: " قد شُغل الناسُ {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}"...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فالمراد به الذكر من الناس وتأنيثه امرأة، فالمعنى إن كل انسان مكلف مشغول بنفسه لا يلتفت إلى غيره، من صعوبة الامر وشدة أهواله. والشأن الأمر العظيم، يقال: لفلان شأن من الشأن أي له أمر عظيم، وأصله الواحد من شؤن الرأس، وهو موضع الوصل من متقابلاته التي بها قوام أمره. ومعنى (يغنيه) أي يكفيه من زيادة عليه أي ليس فيه فضل لغيره لما هو فيه من الامر الذي قد اكتنفه وملأ صدره، فصار كالغني عن الشيء في أمر نفسه لا تنازع إليه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{يُغْنِيهِ} يكفيه في الاهتمام به. وقرئ «يعنيه» أي يهمه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و «الشأن الذي يغنيه»: هو فكره في سيئاته وخوفه على نفسه من التخليد في النار، والمعنى {يغنيه} عن اللقاء مع غيره والفكرة في أمره، قال قتادة: أفضى كل إنسان إلى ما يشغله عن غيره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «لا يضرك في القيامة كان عليك ثياب أم لا»، وقرأ هذه الآية وقال نحوه: لسودة، وقد قالت: واسوأتاه ينظر بعض الناس إلى بعض يوم القيامة، وقرأ جمهور الناس: «يُغنيه» بالغين منقوطة وضم الياء على ما فسرناه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إنه تعالى لما ذكر هذا الفرار أتبعه بذكر سببه... قال أهل المعاني: يغنيه أي ذلك الهم الذي بسبب خاصة نفسه قد ملأ صدره، فلم يبق فيه متسع لهم آخر، فصارت شبيها بالغني في أنه حصل عنده من ذلك المملوك شيء كثير...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر فراره الذي منعه قراره، علله فقال: {لكل امرئ} أي وإن كان أعظم الناس مروءة {منهم يومئذ} أي إذ- تكون هذه الدواهي العظام والشدائد والآلام {شأن} أي أمر بليغ عظيم {يغنيه} أي يكفيه -في الاهتمام بحيث لا يدع له حصة يمكنه صرفها إلى غيره ويوجب له لزوم المغنى، وهو المنزل- الذي يرضيه مع أنه يعلم أنه- يتبعونه ويخاف أن يطالبوه لما هم فيه من الكرب بما لعله قصر فيه من حقوقهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والهول في هذا المشهد هول نفسي بحت...

فلكل نفسه وشأنه، ولديه الكفاية من الهم الخاص به، الذي لا يدع له فضلة من وعي أو جهد: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).. " والظلال الكامنة وراء هذه العبارة وفي طياتها ظلال عميقة سحيقة. فما يوجد أخصر ولا أشمل من هذا التعبير، لتصوير الهم الذي يشغل الحس والضمير...

ذلك حال الخلق جميعا في هول ذلك اليوم.. إذا جاءت الصاخة.. ثم يأخذ في تصوير حال المؤمنين وحال الكافرين، بعد تقويمهم ووزنهم بميزان الله هناك...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة: {لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه} مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لزيادة تهويل اليوم، وتنوينُ {شأن} للتعظيم. وحيث كان فرار المرء من الأقرباء الخمسة يقتضي فرار كل قريب من أولئك من مثله كان الاستئناف جامعاً للجميع تصريحاً بذلك المقتضَى، فقال: {لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه} أي عن الاشتغال بغيره من المذكورات بَلْهَ الاشتغال عمن هو دون أولئك في القرابة والصحبة. والشأن: الحال المهم. وتقديم الخبر في قوله: {لكل امرئ} على المبتدأ ليتأتى تنكير {شأن} الدال على التعظيم لأن العرب لا يبتدئون بالنكرة في جملتها إلا بمسوغ من مسوغاتٍ عَدَّها النحاة بضعةَ عشر مسوغاً، ومنها تقديم الخبر على المبتدأ. والإِغناء: جعل الغير غنياً، أي غير محتاج لشيء في غرضهِ. وأصل الإِغناء والغنى: حصول النافع المحتاج إليه...

وقد استعمل هنا في معنى الإِشغال والإِشغال أعم. فاستعمل الإغناء الذي هو نفع في معنى الإِشغال الأعم على وجه المجاز المرسل أو الاستعارة إيماء إلى أن المؤمنين يشغلهم عن قرابتهم المشركين فرط النعيم ورفع الدرجات كما دل عليه قوله عقبه: {وجوه يومئذٍ مسفرة} إلى آخر السورة...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

لأن القضية قضية المصير الذي لا يملك أحد تبديله بأيّة وسيلةٍ من الوسائل التي كان يستعملها في الدنيا...

.فليس لديه فراغ لغيره وليس عنده فضلة لسواه، إنه همّه الكبير الذي لا همّ أكبر منه، وهو شأنه العظيم الذي لم يطرأ في حياته شأنٌ مثله، فعلى الآخرين من أهله أن يتركوه ليفكر في همه، وأن يدعوه وشأنه...