في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا} (13)

يدل على هذا ما بعده : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) . . وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء . والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا وهي المعصرات : ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) . . حين تعصر فتخر ويتساقط ما فيها من الماء . ومن يعصرها ? قد تكون هي الرياح . وقد يكون هو التفريغ الكهربائي في طبقات الجو . ومن وراء هذه وتلك يد القدرة التي تودع الكون هذه المؤثرات ! وفي السراج توقد وحرارة وضوء . . وهو ما يتوافر في الشمس . فاختيار كلمة( سراج )دقيق كل الدقة ومختار . .

ومن السراج الوهاج وما يكسبه من أشعة فيها ضوء وحرارة ، ومن المعصرات وما يعتصر منها من ماء ثجاج ، ينصب دفعة بعد دفعة كلما وقع التفريغ الكهربائي مرة بعد مرة ، وهو الثجاج ، من هذا الماء مع هذا الإشعاع يخرج الحب والنبات الذي يؤكل هو ذاته ، والجنات الألفاف الكثيفة الكثيرة الأشجار الملتفة الأغصان . وهذا التناسق في تصميم الكون ، لا يكون إلا ووراءه يد تنسقه ، وحكمة تقدره ، وإرادة تدبره . يدرك هذا بقلبه وحسه كل إنسان حين توجه مشاعره هذا التوجيه ، فإذا ارتقى في العلم والمعرفة تكشفت له من هذا التناسق آفاق ودرجات تذهل العقول وتحير الألباب . وتجعل القول بأن هذا كله مجرد مصادفة قولا تافها لا يستحق المناقشة . كما تجعل التهرب من مواجهة حقيقة القصد والتدبير في هذا الكون ، مجرد تعنت لا يستحق الاحترام !

إن لهذا الكون خالقا ، وإن وراء هذا الكون تدبيرا وتقديرا وتنسيقا . وتوالي هذه الحقائق والمشاهد في هذا النص القرآني على هذا النحو : من جعل الأرض مهادا والجبال أوتادا . وخلق الناس أزواجا . وجعل نومهم سباتا [ بعد الحركة والوعي والنشاط ] مع جعل الليل لباسا للستر والانزواء ، وجعل النهار معاشا للوعي والنشاط . ثم بناء السبع الشداد . وجعل السراج الوهاج .

وإنزال الماء الثجاج من المعصرات . لإنبات الحب والنبات والجنات . . توالي هذه الحقائق والمشاهد على هذا النحو يوحي بالتناسق الدقيق ، ويشي بالتدبير والتقدير ، ويشعر بالخالق الحكيم القدير . ويلمس القلب لمسات موقظة موحية بما وراء هذه الحياة من قصد وغاية . . ومن هنا يلتقي السياق بالنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا} (13)

سراجا وهاجا : وهذا السراج العظيم هو الشمس .

8-{ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } وخلقنا لكم في نظامِكم هذا شمساً منيرةً ساطعة الوهج ، دائمة الحرارة . والشمسُ كما ثبت علمياً تبلغ درجةُ حرارتها على سطحها المشِعّ ستةَ آلاف درجة مطلقة ، أما المركز فتزيدُ فيه درجة الحرارة على ثلاثين مليون درجة ، بسبب الضغوطِ العالية في الموادّ التي فيه ، فهي سِراج وهّاجٌ حقيقةً لما فيها من الحرارة .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا} (13)

{ وَجَعَلْنَا } أي أنشأنا وأبدعنا { سِرَاجاً وَهَّاجاً } مشرقاً متلألئاً من وهجت النار إذا أضاءت أو بالغاً في الحرارة من الوهج والمراد به الشمس والتعبير عنها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السموات بالبناء ونصب سراجاً على المفعولية ووهاجاً على الوصفية له وجوز بعضهم أن يكونا مفعولين للجعل على أنه هنا مما يتعدى إليهما وتعقب بأنه مخالف للظاهر للتنكير فيهما وأن قيل السراج الشمس وهي لانحصارها في فرد كالمعرفة واختلف في موضع الجعل والمشهور أنه في السماء الرابعة ولم نر فيه أثراً سوى ما في «البحر » من عبد الله بن عمرو بن العاص قال الشمس في السماء الرابعة إلينا ظهرها ولهبها يضطرم علواً والمذكور في كتب القوم أنهم جعلوا سبعة أفلاك للسيارات السبع على ترتيب خسف بعضها بعضاً أقصاها لزحل والذي تحته للمشتري ثم للمريخ والأدنى للقمر والذي فوقه لعطارد ثم للزهرة إذ وجدوا القمر يكسف الست من السيارات وكثيراً من الثوابت المحاذية لطريقته في ممر البروج وعلى هذا الترتيب وجدوا الأدنى يكسف الأعلى والثوابت تنكسف بالكل ويعلم الكاسف من المنكسف باختلاف اللون فأيهما ظهر لونه عند الكسف فهو كاسف وأيهما خفي لونه فهو منكسف وبقي الشك في أمر الشمس إذ لم يعرف انكساف شيء من الكواكب بها لاضمحلال نورها في ضيائها عند القرب منها ولا انكسافها بشيء من الكواكب غير القمر فذهب بعض القدماء إلى أن فلكي الزهرة وعطارد فوق فلكها مستدلين عليه بأنهما لا يكسفانها كما يكسفها القمر وهو باطل إذ من شرط كسف السافل العالي أن يكونا معاً والبصر على خط واحد مستقيم والألم يكسفه كما في أكثر اجتماعات القمر وإذا كان كذلك فمن المحتمل أن يكون مدارهما بين الشمس والإبصار ولأن جرميهما عندهم صغيران غير مظلمين كجرم القمر حتى يكسفاها ولأنه إذا كسف القمر من جرم الشمس ما مساحته مساوية لجرم أحد هذين الكوكبين أو أكثر لا يظهر المنكسف للإبصار على ما نص عليه بطليموس في الاقتصاص وذهب بعضهم من تقادم عهدهم إلى أنهما تحت فلك الشمس وإن لم تكسف بهما استحساناً لما في ذلك من حسن الترتيب وجودة النظام على ما بين في موضعه ومال إليه بطليموس قال في المجسطي ونحن نرى ترتيب من تقادم عهده أقرب إلى الإقناع لأنه أشبه بالأمر الطبيعي لتوسط الشمس بين ما يبعد عنها كل البعد وبين ما لا يبعد عنها إلا يسيراً ثم قوي عزمه لما رأى بعد الشمس المعلوم من الأرض مناسباً لهذا الموضع لأنه لما وجد بين أبعد بعد القمر وأقرب قرب الشمس بعداً يمكن أن يوجد فيه فلكا الزهرة وعطارد وأبعادهما المختلفة قال في الاقتصاص مثل هذا الفضاء لا يحسن أن يترك عطلاً ولا يحسن أن يكون فيه المريخ فضلاً عن غيره فليكونا فيه وتأكد هذا عند بعض المتأخرين بأنه شوهدت الزهرة على قرص الشمس في وقتين بينهما نيف وعشرون سنة وكانت أول الحالين في ذروة التدوير وفي الثاني في أسفله ويبطل به ما ظن من كون عطارد والزهرة مع الشمس في كرة ومركز تدويرهما لاستحالة أن ترى الزهرة في الذروة على هذا الوجه وهذه أمور ضعيفة بعضها خطابي إقناعي وبعضها مبين ما فيه في محله وقد زعم بعض الناس أنه كما وجد في وجه القمر محو فكذا في وجه الشمس فوق مركزها بقليل نقطة سوداء وأهل الأرصاد اليوم على ما سمعنا من غير واحد جازمون بأن في قرصها سواداً وعلامات مختلفة ولهم في ذلك كلام مذكور في كتبهم وعليه ففي تشبيههما بالسراج من الحسن ما فيه وعن بعضهم أن النور كخيمة عليها ورأيت في بعض كتبهم أنه ينشق من حوالي جرمها والكلام في مقدار جرمها وبعدها عن الأرض عند كل من المتقدمين والمعاصرين من الفلاسفة مما لا حاجة لنا به في هذا المقام مع ما في ذلك من الاختلاف المفضي بيانه بما له وعليه إلى مزيد تطويل .