في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

يدل على هذا ما بعده : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) . . وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء . والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا وهي المعصرات : ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) . . حين تعصر فتخر ويتساقط ما فيها من الماء . ومن يعصرها ? قد تكون هي الرياح . وقد يكون هو التفريغ الكهربائي في طبقات الجو . ومن وراء هذه وتلك يد القدرة التي تودع الكون هذه المؤثرات ! وفي السراج توقد وحرارة وضوء . . وهو ما يتوافر في الشمس . فاختيار كلمة( سراج )دقيق كل الدقة ومختار . .

ومن السراج الوهاج وما يكسبه من أشعة فيها ضوء وحرارة ، ومن المعصرات وما يعتصر منها من ماء ثجاج ، ينصب دفعة بعد دفعة كلما وقع التفريغ الكهربائي مرة بعد مرة ، وهو الثجاج ، من هذا الماء مع هذا الإشعاع يخرج الحب والنبات الذي يؤكل هو ذاته ، والجنات الألفاف الكثيفة الكثيرة الأشجار الملتفة الأغصان . وهذا التناسق في تصميم الكون ، لا يكون إلا ووراءه يد تنسقه ، وحكمة تقدره ، وإرادة تدبره . يدرك هذا بقلبه وحسه كل إنسان حين توجه مشاعره هذا التوجيه ، فإذا ارتقى في العلم والمعرفة تكشفت له من هذا التناسق آفاق ودرجات تذهل العقول وتحير الألباب . وتجعل القول بأن هذا كله مجرد مصادفة قولا تافها لا يستحق المناقشة . كما تجعل التهرب من مواجهة حقيقة القصد والتدبير في هذا الكون ، مجرد تعنت لا يستحق الاحترام !

إن لهذا الكون خالقا ، وإن وراء هذا الكون تدبيرا وتقديرا وتنسيقا . وتوالي هذه الحقائق والمشاهد في هذا النص القرآني على هذا النحو : من جعل الأرض مهادا والجبال أوتادا . وخلق الناس أزواجا . وجعل نومهم سباتا [ بعد الحركة والوعي والنشاط ] مع جعل الليل لباسا للستر والانزواء ، وجعل النهار معاشا للوعي والنشاط . ثم بناء السبع الشداد . وجعل السراج الوهاج .

وإنزال الماء الثجاج من المعصرات . لإنبات الحب والنبات والجنات . . توالي هذه الحقائق والمشاهد على هذا النحو يوحي بالتناسق الدقيق ، ويشي بالتدبير والتقدير ، ويشعر بالخالق الحكيم القدير . ويلمس القلب لمسات موقظة موحية بما وراء هذه الحياة من قصد وغاية . . ومن هنا يلتقي السياق بالنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

المعصِرات : السحب التي تجيء بالمطر الذي يحيي الأرض ويغيث الناس . ثجّاجا : منصبّا بكثرة ، وهو المطر الغزير .

وأنزلنا من السُحب والغيوم ماءً دافقاً منهمِراً بشدة .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات } هي السحائب على ما روي عن ابن عباس وأبي العالية والربيع والضحاك ولما كانت معصرة اسم مفعول لا معصرة اسم فاعل قيل أنها جمع معصرة من أعصر على أن الهمزة فيه للحينونة أي حانت وشارفت أن تعصرها الرياح فتمطر والأفعال يكون بهذا المعنى كثيراً كأجزر إذا حان وقت جزاره وأحصد إذا شارف وقت حصاده ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض قال أبو النجم العجلي

: تمشي الهوينا مائلاً خمارها *** قد عصرت أو قد دنا إعصارها

وجوز على تقدير كون الهمزة للحينونة أن يكون المعنى حان لها أن تعصر أي تغيت ومنه العاصر المغيث ولذا قال ابن كيسان سميت السحائب بذلك لأنها تغيث فهي من العصرة كأنه في الأصل بمعنى حان أن تعصر بتخييل أن الدم يحصل منها بالعصر وقيل أنها جمع لذلك أيضاً إلا أن الهمزة لصيرورة الفاعل ذا المأخذ كأيسر وأعسر وألحم أي صار ذا يسر وصار ذا عسر وصار ذا لحم وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة أنها الرياح لأنها تعصر السحاب فيمطر وفسرها بعضهم بالرياح ذوات الأعاصير على أن صيغة اسم الفاعل للنسبة إلى الإعصار بالكسر وهي ريح تثير سحاباً ذا رعد وبرق ويعتبر التجريد عليه على ما قيل والمازني اعتبر النسبة أيضاً إلا أنه قال المعصرات السحائب ذوات الأعاصير فإنها لا بد أن تمطر معها وأيد تفسيرها بالرياح بقراءة ابن الزبير وابن عباس وأخيه الفضل وعبد الله بن يزيد وعكرمة وقتادة بالمعصرات بياء السببية والآلية فإنها ظاهرة في الرياح فإن بها ينزل الماء من السحاب ولهذه القراءة جعل بعضهم من في قراءة الجمهور وتفسير المعصرات بالرياح للتعليل وذهب غير واحد إلى أنها للتعليل ابتدائية فإن السحاب كالمبدأ الفاعل للإنزال وتعقب بأن ورود من كذلك قليل وعن أبي الحسن وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل وقتادة أيضاً أنها السموات وتعقب بأن السماء لا ينزل منها الماء بالعصر فقيل في تأويله أن الماء ينزل من السماء إلى السحاب فكان السموات يعصرن أي يحملن على عصر الرياح السحاب ويمكن منه وتعقب بأنه مع بعده إنما يتم لو جاء المعصر بمعنى العاصر أي الحامل على العصر ولو قيل المراد بالمعصر الذي حان له أن يعصر كان تكلفاً على تكلف والذي في «الكشف » أن الهمزة على التأويل المذكور للتعدية فتدبر ولا تغفل { مَاء ثَجَّاجاً } أي منصباً بكثرة يقال ثج الماء إذا سال بكثرة وثجه أي أساله فثج ورد لازماً ومتعدياً واختير جعل ما في «النظم الكريم » من اللازم لأنه الأكثر في الاستعمال وجعله الزجاج من المتعدي كان الماء المنزل لكثرته يصب نفسه ومن المتعدي ما في قوله صلى الله عليه وسلم " أفضل الحج العج والثج " أي رفع الصوت بالتلبية وصب ماء الهدى والمراد أفضل أعمال الحج التلبية والنحر ولا يأبى الكثرة كون الماء من المعصرات وظاهره أنه بالعصر وهو لا يحصل منه إلا القليل لأن ذلك غير مسلم ولو سلم فالقلة نسبية وقرأ الأعرج ثجاحاً بجيم ثم حاء مهملة ومناجح الماء مصابه .