وكأنما أطال السياق في عرض صور النعيم الذي ينتظر الأبرار ، تمهيدا للحديث عما كانوا يلقون في الأرض من الفجار . من أذى واستهزاء وتطاول وادعاء . . وقد أطال في عرضه كذلك . ليختمه بالسخرية من الكفار ، وهم يشهدون نعيم الأبرار :
( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . وإذا مروا بهم يتغامزون . وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا : إن هؤلاء لضالون . . وما أرسلوا عليهم حافظين ) . .
( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ، على الأرائك ينظرون ) . .
( هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ? ) . .
والمشاهد التي يرسمها القرآن لسخرية الذين أجرموا من الذين آمنوا ، وسوء أدبهم معهم ، وتطاولهم عليهم ، ووصفهم بأنهم ضالون . . مشاهد منتزعة من واقع البيئة في مكة . ولكنها متكررة في أجيال وفي مواطن شتى . وكثير من المعاصرين شهدوها كأنما هذه الآيات قد نزلت في وصفها وتصويرها . مما يدل على أن طبيعة الفجار المجرمين واحدة متشابهة في موقفها من الأبرار في جميع البيئات والعصور ! !
( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) . . كانوا . . فقد طوى السياق الدنيا العاجلة الزائلة . فإذا المخاطبون به في الآخرة . يرون نعيم الأبرار الذين آمنوا . وهو يذكر لهم ما كان من أمر الدنيا !
إنهم كانوا يضحكون من الذين آمنوا استهزاء بهم ، وسخرية منهم . إما لفقرهم ورثاثة حالهم . وإما لضعفهم
عن رد الأذى . وإما لترفعهم عن سفاهة السفهاء . . فكل هذا مما يثير ضحك الذين أجرموا . وهم يتخذون المؤمنين مادة لسخريتهم أو فكاهتهم المرذولة . وهم يسلطون عليهم الأذى ، ثم يضحكون الضحك اللئيم الوضيع ، مما يصيب الذين آمنوا ، وهم صابرون مترفعون متجملون بأدب المؤمنين !
بعد ذلك انتقل الحديثُ في السورة إلى ما كان الكفار يقابلون به المؤمنين في الحياة الدنيا وكيف كانوا يستهزئون منهم ويَسْخَرون ، وأن هذا ما سيقابلُ به المؤمنون الكفار يوم القيامة ويضحكون منهم .
فقد روي أن صناديد قريشٍ مثلَ أبي جهلٍ ، والوليدِ بن المغيرة ، والعاصي بن وائل السُّهمي ، وشَيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأميةَ بن خلف ، وغيرهم كانوا يؤذون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويستهزئون بهم ويحرّضون عليهم سفَهاءَهم وغلمانهم . وفي ذلك كله يقول تعالى :
{ إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ . . . . } .
إن المجرِمين الجاحدين ، كانوا في الحياة الدنيا يضحكون من المؤمنين .
وقوله تعالى : { إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ } الخ حكاية لبعض قبائح مشركي قريش أبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشياعهم جيء بها تمهيداً لذكر بعض أحوال الأبرار في الجنة { كَانُواْ } أي في الدنيا كما قال قتادة : { مِنَ الذين ءامَنُواْ يَضْحَكُونَ } كانوا يستهزؤون بفقرائهم كعمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من الفقراء وفي «البحر » روى أن علياً كرم الله تعالى وجهه وجمعاً من المؤمنين معه مروا بجميع من كفار مكة فضحكوا منهم واستخفوا بهم فنزلت { إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ } قبل أن يصل علي كرم الله تعالى وجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي «الكشاف » حكاية ذلك عن المنافقين وأنهم قالوا ربنا اليوم الأصلع أي سيدنا يعنون علياً كرم الله تعالى وجهه وإنما قالوا استهزاء ولعل الأول أصح وتقديم الجار والمجرور إما للقصر إشعاراً بغاية شناعة ما فعلوا أي كانوا من الذين آمنوا يضحكون مع ظهور عدم استحقاقهم لذلك على منهاج قوله تعالى : { أَفِى الله شَكٌّ } [ إبراهيم : 10 ] لمراعاة الفواصل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.