فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ} (29)

{ إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ( 29 ) وإذا مروا بهم يتغامزون ( 30 ) وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين ( 31 ) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ( 32 ) وما أرسلوا عليهم حافظين ( 33 ) فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ( 34 ) على الأرائك ينظرون ( 35 ) هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ( 36 ) }

الأشرار والفجار ، والكفار الطغاة ، والفسقة العصاة يزدرون المؤمنين ويسترذلونهم ويستخفون بهم ويسخرون منهم ، ويعيبونهم بالقول وبالإشارة ، فهم في مجالسهم يلمزون ، وفي بيوتهم يتضاحكون ، وحين يمر عليهم أهل الإيمان يتخذونهم هزوا ، ويرمون المتقين بالرذالة والضلالة ؛ { وما أرسلوا عليهم حافظين( 33 ) } ما سلطهم الله عليهم رقباء ، وما لهم عليهم من وصاية ولا هم عليهم وكلاء ؛ فالله سبحانه يجازيهم يوم القيامة من جنس أعمالهم ، فالسعداء الأتقياء يتكئون على أرائكهم في دار النعيم ، يعاينون عذاب المستكبرين ، ويطالعون الخزي والذلة التي حاقت بالمتجبرين ؛ وقريب من هذا قول الله الحكيم العليم : { إنه كان فريق من عبادي يقولون . ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين . فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون . إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون }{[9732]} ؛ كما بين القرآن المبين كيف يزداد سرور المؤمنين ، حين يرون أن البر الرحيم أنجاهم من مصير المفتونين ، وكيف ينادي السعيد رفقاءه في الجنة ليشهدوا مآل الضالين : { قال هل أنتم مطلعون . فاطلع فرآه في سواء الجحيم . قال تالله إن كدت لتردين . ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين }{[9733]} .

أليس في هذا الجزاء العادل على السخرية من الصالحين ؟ بلى ! إن في ذلك لتثبيتا للمؤمنين على حقهم ، واتباع ما أنزل إليهم من ربهم ، وصبرا واحتمالا لما يلقون من استخفاف الفاسقين بهم ، فإن الخزي والسوء يومئذ على أعدائهم ، وإن العز والنعيم للذين يستمسكون بإسلامهم ، من يضحك أخيرا يضحك طويلا ، والعاقبة للمتقين .


[9732]:- سورة المؤمنون. الآيات: 109-111.
[9733]:- سورة الصافات. الآيات: 54-57.