تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ} (29)

الآيتان 29 و30 : وقوله تعالى : { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } [ { وإذا مروا بهم يتغامزون } ]{[23320]} فوجه ذكر صنيع الكفرة بالمؤمنين في القرآن وجعله آية تتلى ، وإن كان المؤمنون بذلك عارفين ، يخرج على ثلاثة أوجه :

أحدها : في تبيين موقع الحجج في قلوب المؤمنين وعملها بهم ؛ وذلك أن المؤمنين لما امتحنت أنفسهم باحتمال الأذى والمكروه من الكافرين [ الذين ]{[23321]} انتصبوا لمعاداة آبائهم وأجدادهم وأهاليهم ، رفضوا{[23322]} شهواتهم ، وتركوا أموالهم ، واختاروا اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ، ومعلوم أنهم لم يحملوا أنفسهم كل هذه المؤن طمعا ورغبة في الدنيا لما لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يرغب في مثله من نعيم الدنيا ، فثبت أن الحجج ، هي التي حملتهم ، ودعتهم إلى متابعته ، لا غير ؛ فيكون في ما ذكرنا تثبيت رسالته ، وإن لم يكن في الآية إشارة إلى الحجج التي اضطرتهم إلى تصديقه والانقياد له ، فيكون في ذكره تقرير لمن تأخر عنهم من المؤمنين لرسالته عليه السلام .

والثاني : أن أولئك المؤمنين صبروا على ما نالهم من المكاره ، واستقبلهم من أنواع الأذى في قيامهم بأمر الله تعالى ليكون في ذكره تذكير لمن تأخر عنهم من المؤمنين أن عليهم الأمر بالمعروف والنهي/632 – ب/ عن المنكر وأنه لا عذر لهم في الامتناع عن القيام بما ذكرنا ، وإن نالهم من ذلك أذى ومكروه . بل الواجب عليهم الصبر على ما يصيبهم والقيام بما يحق عليهم .

[ الثالث : ]{[23323]} ذكر ما لقي الأوائل من السلف من المعاداة والشدائد من الكفرة بإظهارهم دين الإسلام ثم [ ما ]{[23324]} نلنا نحن هذه الرتبة ، وأكرمنا بالهدى بلا مشقة وعناء ، لنشكر الله تعالى بذلك ، ونحمده عليه لعظمة ثنائه لديننا وجزيل مننه علينا .

وقوله تعالى : { من الذين آمنوا يضحكون } فضحكهم يكون لأحد وجهين :

إما على التعجب منهم أن كيف اختاروا متابعة محمد صلى الله عليه وسلم وحملوا أنفسهم من الشدائد ، ورضوا بزوال النعيم عنهم من غير منفعة لهم في ذلك ، وهم قوم ، كانوا لا يؤمنون بالبعث ، يكذبون بما وعد المؤمنون من النعيم في الآخرة ، فكان يحملهم ذلك على التعجب ، فيضحكون متعجبين منهم .

[ وإما ]{[23325]} كانوا يضحكون على استهزائهم بالمؤمنين ، ويقولون{[23326]} : إن هؤلاء آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه في ما يخبرهم من نعيم الآخرة ، ولا يعرفون أنه كذلك ، فكانوا يجهلون المؤمنين على ما جهلوا بأنفسهم ، وظنوا أن لا بعث ولا جنة ولا نار .

قال أبو بكر : المجرم هو الوثّاب في المعاصي ، وذكر أبو بكر أن في ذكر صنيع الكفار بالمؤمنين دلالة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنهم كانوا يضحكون من المؤمنين ، ويتغامزونهم ، وينسبونهم إلى الضلال سرا من المسلمين ، فأطلع الله تعالى نبيه عليه السلام ، على ما أسروا من الأفعال ليجعل لهم من أفعالهم حجة عليهم لنبوته ورسالته عليه السلام .


[23320]:ساقطة من الأصل وم.
[23321]:ساقطة من الأصل وم.
[23322]:في الأصل وم: ورفضوا.
[23323]:في الأصل وم: أو.
[23324]:ساقطة من الأصل وم.
[23325]:في الأصل وم: أو.
[23326]:الواو ساقطة من الأصل وم.