ثم يستطرد مع الأعراب يعلمهم أن الله أعلم بقلوبهم وما فيها ؛ وأنه هو يخبرهم بما فيها ولا يتلقى منهم العلم عنها :
( قل : أتعلمون الله بدينكم ? والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، والله بكل شيء عليم ) . .
والإنسان يدعي العلم ، وهو لا يعلم نفسه ، ولا ما يستقر فيها من مشاعر ، ولا يدرك حقيقة نفسه ولا حقيقة مشاعره ؛ فالعقل نفسه لا يعرف كيف يعمل ، لأنه لا يملك مراقبة نفسه في أثناء عمله . وحين يراقب نفسه يكف عن عمله الطبيعي ، فلا يبقى هناك ما يراقبه ! وحين يعمل عمله الطبيعي لا يملك أن يشغل في الوقت ذاته بالمراقبة ! ومن ثم فهو عاجز عن معرفة خاصة ذاته وعن معرفة طريقة عمله ! وهو هو الأداة التي يتطاول بها الإنسان !
( والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ) . . علما حقيقيا . لا بظواهرها وآثارها . ولكن بحقائقها وماهياتها . وعلما شاملا محيطا غير محدود ولا موقوت .
{ قل أتعلمون الله بدينكم } : أي قل لهم يا رسولنا أي لهؤلاء الأعراب أتشعرون الله بدينكم .
وقوله تعالى في الآية ( 16 ) { قل أتعلمون الله بدينكم } أي قل يا رسولنا لأولئك الأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم أتعلّمِون الله بدينكم أي بإِيمانكم وطاعتكم وتشعرونه بهما والحال أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ، والله بكل شيء عليم إنه لا معنى لتعليمكم الله بدينكم وهو يعلم ما في السموات وما في الأرض وهو بكل شيء عليم إنه مظهر من مظاهر جهلكم بالله تعالى ، إذ لو علمتم أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض من دقيق وجليل لما فهتم بما فهتم به من إشعاركم الله بإِيمانكم وطاعتكم له .
ولما كانوا كأنهم يقولون : نحن كذلك ، أمره صلى الله عليه وسلم بالإنكار عليهم والتوبيخ لهم-{[60974]} دلالة على ما أشار إليه ختام الآية من إحاطة علمه الذي تميز به الصادق من غيره من جميع الخلق فقال : { قل } أي لهؤلاء الأعراب مجهلاً لهم-{[60975]} مبكتاً : { أتعلمون } أي-{[60976]} أتخبرون إخباراً عظيماً-{[60977]} بلغياً ، كأنهم لما آمنوا كان ذلك-{[60978]} إعلاماً منهم ، فلما قالوا آمنا كان ذلك تكريراً ، فكان في{[60979]} صورة التعليم ، فبكتهم بذلك { الله } أي الملك الأعظم المحيط قدرة وعلماً { بدينكم } فلذلك تقولون : آمنا ، ففي ذلك نوع بشرى لهم لأنه أوجد لهم ديناً وأضافه إليهم - قاله ابن برجان . ولما أنكر عليهم وبكتهم وصل به ما يشهد له{[60980]} فقال : { والله } أي والحال أن الملك المحيط بكل شيء { يعلم ما في السماوات } كلها على عظمها وكثرة ما فيها ومن فيها . ولما كان في سياق الرد عليهم-{[60981]} والتبكيت لهم كان موضع التأكيد فقال : { وما في الأرض } كذلك{[60982]} .
ولما كان المقام للتعميم ، أظهر ولم يضمر لئلا يوهم{[60983]} الاختصاص بما ذكر من الخلق فقال : { والله } أي الذي له الإحاطة الكاملة { بكل شيء } أي مما ذكر ومما لم يذكر { عليم * } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.