في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ} (29)

وكأنما أطال السياق في عرض صور النعيم الذي ينتظر الأبرار ، تمهيدا للحديث عما كانوا يلقون في الأرض من الفجار . من أذى واستهزاء وتطاول وادعاء . . وقد أطال في عرضه كذلك . ليختمه بالسخرية من الكفار ، وهم يشهدون نعيم الأبرار :

( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . وإذا مروا بهم يتغامزون . وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا : إن هؤلاء لضالون . . وما أرسلوا عليهم حافظين ) . .

( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ، على الأرائك ينظرون ) . .

( هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ? ) . .

والمشاهد التي يرسمها القرآن لسخرية الذين أجرموا من الذين آمنوا ، وسوء أدبهم معهم ، وتطاولهم عليهم ، ووصفهم بأنهم ضالون . . مشاهد منتزعة من واقع البيئة في مكة . ولكنها متكررة في أجيال وفي مواطن شتى . وكثير من المعاصرين شهدوها كأنما هذه الآيات قد نزلت في وصفها وتصويرها . مما يدل على أن طبيعة الفجار المجرمين واحدة متشابهة في موقفها من الأبرار في جميع البيئات والعصور ! !

( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) . . كانوا . . فقد طوى السياق الدنيا العاجلة الزائلة . فإذا المخاطبون به في الآخرة . يرون نعيم الأبرار الذين آمنوا . وهو يذكر لهم ما كان من أمر الدنيا !

إنهم كانوا يضحكون من الذين آمنوا استهزاء بهم ، وسخرية منهم . إما لفقرهم ورثاثة حالهم . وإما لضعفهم

عن رد الأذى . وإما لترفعهم عن سفاهة السفهاء . . فكل هذا مما يثير ضحك الذين أجرموا . وهم يتخذون المؤمنين مادة لسخريتهم أو فكاهتهم المرذولة . وهم يسلطون عليهم الأذى ، ثم يضحكون الضحك اللئيم الوضيع ، مما يصيب الذين آمنوا ، وهم صابرون مترفعون متجملون بأدب المؤمنين !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ} (29)

{ 29 - 36 } { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }

لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وجزاء المؤمنين{[1386]}  و [ ذكر ] ما بينهما من التفاوت العظيم ، أخبر أن المجرمين كانوا في الدنيا يسخرون بالمؤمنين ، ويستهزئون بهم ، ويضحكون منهم ،


[1386]:- في ب: المحسنين.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ} (29)

ولما ذكر سبحانه جزاء الكافر{[72269]} بالجحيم وجزاء المؤمن{[72270]} بالنعيم ، وكان من أجل النعيم الشماتة بالعدو ، علل جزاء الكافر بما فيه شماتة المؤمن به لأنه اشتغل في الدنيا بما لا يغني ، فلزم من ذلك تفويته لما يغني{[72271]} ، فقال مؤكداً لأن ذا{[72272]} المروءات والهمم العاليات والطبع السليم والمزاج القويم لا يكاد يصدق مثل هذا ، وأكده إشارة إلى أن من حقه أن لا يكون : { إن الذين أجرموا } أي قطعوا ما أمر الله به أن يوصل { كانوا } أي في الدنيا ديدناً وخلقاً {[72273]}وطبعاً وجبلة{[72274]} { من الذين آمنوا } أي ولو كانوا في أدنى درجات الإيمان { يضحكون * } أي يجددون الضحك كلما رأوهم أو ذكروهم استهزاء بهم {[72275]}وبحالاتهم التي هم عليها من علامات الإيمان{[72276]} في رثاثة أحوالهم وقلة أموالهم و-{[72277]} احتقار الناس لهم مع ادعائهم أن الله تعالى لا بد أن ينصرهم ويعلي أمرهم{[72278]}


[72269]:من ظ و م، وفي الأصل: الكافرين.
[72270]:من ظ و م، وفي الأصل: المؤمنين.
[72271]:من ظ و م، وفي الأصل: لا يعني.
[72272]:من ظ و م، وفي الأصل: ذي.
[72273]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72274]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72275]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72276]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72277]:زيد من م.
[72278]:زيد في الأصل: فقال تعالى، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ} (29)

{ إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون }

{ إن الذين أجرموا } كأبي جهل ونحوه { كانوا من الذين آمنوا } كعمار وبلال ونحوهما { يضحكون } استهزاءً بهم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ} (29)

قوله تعالى : { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون 29 وإذا مرّوا بهم يتغامزون 30 وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين 31 وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون 32 وما أرسلوا عليهم حافظين 33 فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون 34 على الأرائك ينظرون 35 هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون } .

يبين الله في ذلك ظلم المجرمين وسوء فعالهم وعدوانهم على المسلمين في الدنيا بالتهكم عليهم والاستسخار منهم والاستهزاء بهم . وهم في الآخرة منقلبون إلى النار والخسار وسوء القرار . فقال سبحانه : { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } الذين أجرموا يعني الذين اكتسبوا الآثام والمعاصي وكفروا بالله ، فهؤلاء الكفرة العصاة { كانوا من الذين آمنو يضحكون } كانوا بكفرهم وعتوهم وظلمهم يسخرون من المؤمنين ويستهزءون بهم ويضحكون منهم تهكما واستكبارا ، وذلك بسبب إيمانهم واستمساكهم بدين الله . دين التوحيد الخالص لله .

وقد روي عن ابن عباس أن نفرا من صناديد المشركين كالوليد بن المغيرة وعقبة ابن أبي معيط وأبي جهل والنضر بن الحارث ، كانوا إذا مروا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخباب وصهيب وبلال { يضحكون } على وجه السخرية . والصواب أنها عامة في سائر المجرمين في كل زمان ، أولئك الذين يسخرون من المسلمين بسبب إيمانهم واستمساكهم بدينهم وعقيدتهم .