بينما المؤمنون الذين كانوا لا يحفلونهم في الدنيا ، ولا يبالونهم ، في موقف الكرامة والاستعلاء ، يسألونهم سؤال صاحب الشأن المفوض في الموقف : ( ما سلككم في سقر ? ) . . ويلمس قلوب المؤمنين الذين كانوا يلاقون من المجرمين ما يلاقون في الأرض ، وهم يجدون أنفسهم اليوم في هذا المقام الكريم وأعداءهم المستكبرين في ذلك المقام المهين . . وقوة المشهد تلقي في نفوس الفريقين أنه قائم اللحظة وأنهم فيه قائمون . . وتطوي صفحة الحياة الدنيا بما فيها كأنه ماض انتهى وولى !
" ما سلككم " أي أدخلكم " في سقر " كما تقول : سلكت الخيط في كذا أي أدخلته فيه . قال الكلبي : فيسأل الرجل من أهل الجنة الرجل من أهل النار باسمه ، فيقول له : يا فلان . وفي قراءة عبد الله بن الزبير " يا فلان ما سلكك في سقر " ؟ وعنه قال : قرأ عمر بن الخطاب " يا فلان ما سلككم في سقر " وهي قراءة على التفسير ، لا أنها قرآن كما زعم من طعن في القرآن ، قاله أبو بكر بن الأنباري .
وقيل : إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقربائهم ، فتسأل الملائكة المشركين فيقولون لهم : " ما سلككم في سقر " . قال الفراء : في هذا ما يقوي أن أصحاب اليمين الوِلدَان ؛ لأنهم لا يعرفون الذنوب .
ولما كان يوم القيامة في غاية الصعوبة{[69947]} وكان أحد مشغولاً بنفسه ، فكان لا علم له بتفاصيل ما يتفق لغيره ، وكان أولياء الله إذا دخلوا دار كرامته أرادوا العلم بما فعل بأعدائهم فيه سبحانه ، فتساءلوا عن حالهم{[69948]} فقال بعضهم لبعض : لا علم لنا ، فكشف الله -{[69949]} لهم عنهم حتى رأوهم في النار {[69950]}وهي{[69951]} تسعر بهم ليقر الله أعينهم بعذابهم ، زيادة في نعيمهم وثوابهم ، كما تقدم في الصافات عند قوله
{ قال قائل منهم إني كان لي قرين }[ الصافات : 51 ] وكان بساط -{[69952]} الكلام دالاً على هذا كله ، أشار لنا سبحانه إليه بقوله حكاية عما يقول لهم أولياؤهم توبيخاً وتعنيفاً وشماتة وتقريعاً{[69953]} تصديقاً لقوله تعالى
{ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون }[ المطففين : 34 ] الآية ، ولتكون حكاية ذلك موعظة للسامعين وذكرى للذاكرين : { ما } هي محتملة للتوبيخ والتعجيب{[69954]} { سلككم } أي أدخلكم أيها المجرمون إدخالاً هو في غاية الضيق حتى كأنكم السلك في الثقب { في سقر * } فكان هذا الخطاب مفهماً لأنهم لما تساءلوا نفوا العلم عن أنفسهم ، وكان من المعلوم أن نفي العلم لأنهم شغلوا {[69955]}عن ذلك بأنفسهم{[69956]} وأنهم ما شغلوا - مع كونهم من أهل السعادة - إلا لأن ذلك اليوم عظيم الشواغل ، وكان من المعلوم أنه إذا تعذر عليهم علم أحوالهم من أهل الجنة وهم غير مريدين{[69957]} الشفاعة فيهم فلم يبق لهم طريق إلى علم ذلك لا يظن به التعريض للشفاعة إلا السؤال منهم عن أنفسهم في أنهم يخاطبونهم{[69958]} بذلك {[69959]}فيعلمون علمهم{[69960]} ليزدادوا بذلك غبطة وسروراً بما نجاهم الله من مثل حالهم ويكثروا{[69961]} من الثناء على الله تعالى بما وفقهم له وليكون ذلك عظة لنا بسماعنا إياه
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.