الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ} (42)

وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن ابن مسعود أنه قرأ : «يا أيها الكفار ما سلككم في سقر » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليخرجن بشفاعتي من أهل الإِيمان من النار حتى لا يبقى فيها أحد إلا أهل هذه الآية { ما سلككم في سقر } إلى قوله : { شفاعة الشافعين } » .

وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً على عمر بن الخطاب فقال له عمر : حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة ؟ فقال كعب : قد أخبرك الله في القرآن ، إن الله يقول : { ما سلككم في سقر } إلى قوله : { اليقين } قال كعب : فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط ، ويطعم مسكيناً قط ، ومن لم يؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير .

وأخرج ابن مردويه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يؤتى بأدنى أهل النار منزلة يوم القيامة فيقول الله له : تفتدى بملء الأرض ذهباً وفضة ؟ فيقول : نعم إن قدرت عليه ، فيقول : كذبت ، قد كنت أسألك ما هو أيسر عليك من أن تسألني فأعطيك وتستغفرني فأغفر لك وتدعوني فأستجيب لك ، فلم تخفني ساعة قطّ من ليل ونهار ، ولم ترج ما عندي قط ، ولم تخش عقابي ساعة قط ، وليس وراءه أحد إلا وهو شر منه ، فيقال له : { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين } إلى قوله : { حتى أتانا اليقين } يقول الله : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } » .

وأخرج ابن مردويه عن صهيب الفقير قال : كنا بمكة ومعي طلق بن حبيب وكنا نرى رأي الخوارج فبلغنا أن جابر بن عبدالله يقول في الشفاعة فأتيناه فقلنا له : بلغنا عنك في الشفاعة قول الله مخالف لك فيها في كتابه ، فنظر في وجوهنا فقال : من أهل العراق أنتم ؟ قلنا : نعم . فتبسم وقال : وأين تجدون في كتاب الله ؟ قلت : حيث يقول : { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } [ آل عمران : 192 ] و { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها } [ المائدة : 37 ] و { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } [ السجدة : 20 ] وأشباه هذا من القرآن فقال : أنتم أعلم بكتاب الله أم أنا ؟ قلنا : بل أنت أعلم به منا . قال : فوالله لقد شهدت تنزيل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفاعة الشافعين ، ولقد سمعت تأويله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الشفاعة لنبيه في كتاب الله قال ، في السورة التي تذكر فيها المدثر : { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين } الآية ، ألا ترون أنها حلت لمن مات لم يشرك بالله شيئاً ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الله خلق خلقاً ولم يستعن على ذلك ، ولم يشاور فيه أحداً ، فأدخل من شاء الجنة برحمته ، وأدخل من شاء النار ، ثم إن الله تحنن على الموحدين فبعث الملك من قبله بماء ونور فدخل النار ، فنضح فلم يصب إلا من شاء ، ولم يصب إلا من خرج من الدنيا لم يشرك بالله شيئاً فأخرجهم حتى جعلهم بفناء الجنة ، ثم رجع إلى ربه فأمده بماء ونور ، ثم دخل فنضح فلم يصب إلا من شاء الله ، ثم لم يصب إلا من خرج من الدنيا لم يشرك بالله شيئاً فأخرجهم حتى جعلهم بفناء الجنة ، ثم أذن الله للشفعاء فشفعوا لهم فأدخلهم الله الجنة برحمته وشفاعة الشافعين » .

وأخرج البيهقي في البعث عن ابن مسعود قال : يعذب الله قوماً من أهل الإِيمان ، ثم يخرجهم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يبقى إلا من ذكر الله { ما سلككم في سقر } إلى قوله : { شفاعة الشافعين } .