البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ} (42)

{ إلا أصحاب اليمين } ، قال ابن عباس : هم الملائكة .

وقال عليّ : هم أطفال المسلمين .

فعلى هذين القولين يكون استثناء منقطعاً ، أي لكن أصحاب اليمين في جنات .

وقال الحسن وابن كيسان : هم المسلمون المخلصون ، ليسوا بمرتهنين لأنهم أدوا ما كان عليهم ، وهذا كقول الضحاك الذي تقدم .

وقال الزمخشري : { إلا أصحاب اليمين } ، فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطابوه من كسبهم ، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق . انتهى .

وظاهر هذا أنه استثناء متصل في جنات ، أي هم { في جنات يتساءلون } : أي يسأل بعضهم بعضاً ، أو يكون يتساءل بمعنى يسأل ، أي يسألون عنهم غيرهم ، كما يقال : دعوته وتداعوته بمعناه .

وعلى هذين التقديرين كيف جاء { ما سلككم في سقر } بالخطاب للمجرمين ، وفي الكلام حذف ، المعنى : أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضاً ، أو يسألون غيرهم عن من غاب من معارفهم ، فإذا عرفوا أنهم مجرمون في النار قالوا لهم ، أو قالت لهم الملائكة : هكذا قدره بعضهم ، والأقرب أن يكون التقدير : يتساءلون عن المجرمين قائلين لهم بعد التساؤل : { ما سلككم في سقر } .

وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف طابق قوله : { ما سلككم } ؟ وهو سؤال للمجرمين ، قوله : { يتساءلون عن المجرمين } ؟ وهو سؤال عنهم ، وإنما كان يطابق ذلك لو قيل يتساءلون عن المجرمين ما سلككم ؟ قلت : { ما سلككم } ليس ببيان للتساؤل عنهم ، وإنما هو حكاية قول المسؤولين عنهم ، لأن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون : قلنا لهم { ما سلككم في سقر } ، { قالوا لم نك من المصلين } ، إلا أن الكلام جيء به على الحذف والاختصار ، كما هو نهج التنزيل في غرابة نظمه . انتهى ، وفيه تعسف .

والأظهر أن السائلين هم المتسائلون ، وما سلككم على إضمار القول كما ذكرنا ، وسؤالهم سؤال توبيخ لهم وتحقير ، وإلا فهم عالمون ما الذي أدخلهم النار .