اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ} (42)

{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } ، فإنه يقال : سألته كذا ، وسألته عن كذا .

الثاني : أن يكون المعنى : أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضاً عن أحوال المجرمين .

فإن قيل : فعلى هذا يجب أن يقولوا : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } ؟ .

فأجاب الزمخشري عنه فقال : «المرادُ من هذا أن المشركين يلقون ما جرى بينهم وبين المؤمنين ، فيقولون : قلنا لهم : مَا سلَكَكُمْ في سَقَرَ » .

وفيه وجه آخر وهو : أنَّ المراد أن أصحاب اليمين كانوا يتساءلون عن المجرمين أين هم ؟ فلما رأوهم ، قالوا لهم : ما سلككم في سقر ؟ والإضمارات كثيرة في القرآن .

قوله : { مَا سَلَكَكُمْ } : يجوز أن يكون على إضمار القول ، وذلك في موضع الحال أي : يتساءلون عنهم قائلين لهم : ما سلككم ؟ قال الزمخشري : فإن قلت : كيف طابق بعد قوله : «ما سلككم » وهو سؤال المجرمين ، قوله : { يَتَسَاءَلُونَ عَنِ المجرمين } ، وهو سؤال عنهم ، وإنما كان يتطابق ذلك لو قيل : يتساءلون المجرمين : ما سلككم ؟ .

قلت : قوله تعالى : { مَا سَلَكَكُمْ } ليس ببيانٍ للتساؤل عنهم وإنما هو حكاية قول المسئولين عنهم ؛ لأن المشركين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين ، فيقولون : قلنا لهم : ما سلككم في سقر ؟ أي : أدخلكم في سقر ، كما تقول : سَلكْتُ الخَيْط في كذا إذا أدخلته فيه ، والمقصود من هذا : زيادة التوبيخ والتخجيل ، والمعنى : ما أدخلكم في هذه الدركةِ من النار ؟ فأجابوا : أن العذاب لأمور أربعة ، ثم ذكروها وهي قولهم : { لَمْ نَكُ مِنَ المصلين } .

قال الكلبيُّ رحمه الله : يسألُ الرجلُ من أهل الجنة الرجلَ من أهل النار باسمه فيقول له : يا فلانُ .

وفي قراءة عبد الله بن الزبير : يا فلان ، ما سلككم في سقر ؟ وهي قراءة على التفسير ؛ لا أنها قرآن كما زعم من طعن في القرآن . قاله ابن الأنباري .

وقيل : إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقربائهم ، فتسأل الملائكة المشركين ، فيقولون لهم : ما سلككم في سقر ؟ .

قال الفراء : في هذا ما يقوي أن أصحاب اليمين هم الولدان ؛ لأنهم لا يعرفون الذنوب .