في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (20)

والله وحده هو الذي يقضي في هذا اليوم قضاءه الحق . وآلهتهم المدعاة لا شأن لها ولا حكم ولا قضاء :

( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ) . .

والله يقضي بالحق عن علم وعن خبرة ، وعن سمع وعن رؤية . فلا يظلم أحداً ولا ينسى شيئاً :

( إن الله هو السميع البصير ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (20)

20- { والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير } .

الله تعالى حاكم عادل بيده الخلق والأمر ، والقضاء بين العباد يوم القيامة ، ومجازاة العباد بدون ظلم أو حيف ، وهو قادر فقد خلق الكون وأوجد الوجود ، وأرسل الرسل ، وأوضح لنا الطريق ، أمّا الآلهة المدّعاة والأصنام والأوثان ، فإنها لا تملك شيئا ولا تحكم بشيء .

{ إن الله هو السميع البصير } .

فهو سميع لأقوال خلقه ودعائهم ، بصير بهم ، مطلع عليهم فيهدي من يشاء ، ويُضلُّ من يشاء وهو الحاكم العادل في جميع ذلك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (20)

قوله تعالى : { وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه } ، يعني : الأوثان ، { لا يقضون بشيء } ، لأنها لا تعلم شيئاً ولا تقدر على شيء ، قرأ نافع وابن عامر : { تدعون } ، بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء . { إن الله هو السميع البصير* }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (20)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{والله يقضي بالحق} يعني يحكم بالعدل {والذين يدعون من دونه لا يقضون} يعني لا يحكمون {بشيء} يعني والذين يعبدون من دونه لا يقضون بشيء، يعني آلهة كفار مكة {إن الله هو السميع البصير}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وَاللّهُ يَقْضِي بالحَقّ" يقول: والله تعالى ذكره يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها، وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق، فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم، وصرفوها عن محارمه حذارَ الموقف بين يديه، ومسألته عنه بالحُسنى، والذين ردّدوا النظر، وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدَرت جزاءها... وقوله: "إنّ اللّهَ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ" يقول: إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس، البصير بما تفعلون من الأفعال، محيط بكل ذلك محصيه عليكم، ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} قال أهل التأويل: أي الحكم بالحق، والقضاء ههنا المذكور في الكتاب يخرّج على وجوه:

أحدها: يقضي أي: يأمر، كقوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 36] إذا أمر أمرا.

الثاني: القضاء: الوحي والخبر، كقوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] أي أوحينا إليهم، فكأنه يقول: والله يوحي بالحق، ويخبر به.

والثالث: القضاء، هو الخلق والإنشاء كقوله تعالى: {فقضاهُن سبع سماوات} [فصلت: 12] أي: خلقهم فيكون قوله على هذا {والله يقضي بالحق} يخلق {بالحق والذين يدعون من دونه} لا يخلقون شيئا، وقد يعلمون استحقاق العبادة إنما تجوز في الخلق والإنشاء، وهو كقوله تعالى: {أفمن يخلُق كمن لا يخلق} [النحل: 17] خلق من يدعون من دونه كخلق الله حتى تشابه ذلك عليهم، فعبدوهم؛ إذ يعلمون أن من خلق ليس كمن لم يخلق، وقد تعلمون أنها لم تخلق شيئا، فكيف عبدتموها؟...

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:

{السميع} للمؤمنين أي المجيب، و {البصير} بأفعالهم، وجائز أن يكون قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} صلة ما تقدم من قوله {يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور} يقول: {السميع} لما يكون منهم ظاهرا من قول أو فعل، و {البصير} بما أخفوا في قلوبهم، وتكن صدورهم؛ يخبر بهذا ليكونوا أبدا مراقبين حافظين أنفسهم ما ظهر منها وما خفي.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى: {والله يقضي بالحق} وهذا أيضا يوجب عظم الخوف، لأن الحاكم إذا كان عالما بجميع الأحوال، وثبت منه أنه لا يقضي إلا بالحق في كل ما دق وجل، كان خوف المذنب منه في الغاية القصوى.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان العفو عن الظالم الذي لا يرجع عن ظلمه نقصاً، لكونه لا حكمة فيه، عبر بالاسم الأعظم في جملة حالية فقال: {والله} أي والحال أن المتصف بجميع صفات الكمال {يقضي بالحق} أي الثابت الذي لا يصح أصلاً نفيه، فلو قضى فيمن يعلم أنه ليس بأهل للشفاعة فيه بقبول الشفاعة لنفى الحق وأثبت الباطل فخالف ذلك الكمال.

{والذين يدعون} أي الظالمون -على قراءة الجماعة، وأيها الظالمون- على قراءة نافع وابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان بالخطاب للمواجهة بالإزراء.

ولما كانت المراتب دون عظمته سبحانه لا تنحصر ولا يحتوي عليها كلها شيء، أثبت الجار فقال: {من دونه} أي سواه، ومن المعلوم أنهم خلقه فهم دون رتبته؛ لأنهم في قهره {لا يقضون بشيء} من الأشياء أصلاً، فضلاً عن أن يقضوا بما يعارض حكمه، فلا مانع له من القضاء بالحق، فلا مقتضى لقبول الشفاعة فيمن يعلم عراقته في الظلم أنه لا ينفك عنه.

ولما أخبر أنه لا فعل لشركائهم، وأن الأمر له وحده، علل ذلك بقوله مرهباً من الخيانة وغيرها من الشر، مرغباً في كل خير، مؤكداً لأجل أن أفعالهم تقتضي إنكارً ذلك: {إن الله} عبر به لأن السياق لتحقير شركائهم وبيان أنها في غاية النقصان

{هو} أي وحده.

ولما ذكر ما هو غيب، وصفه بأظهر ظاهر فقال: {السميع} أي لكل ما يمكن أن يسمع.

{البصير} أي بالبصر والعلم لكل ما يمكن أن يبصر ويعلم، فلا إدراك لشركائهم أصلاً ولا لشيء غيره بالحقيقة، ومن لا إدراك له ولا قضاء له، فثبت أن الأمر له وحده، فما تنفعهم شفاعة الشافعين، ولا تقبل فيهم من أحد شفاعة بعد الشفاعة العامة التي هي خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

كان مقتضى الظاهر أن يؤتَى بجملة {يقضي بالحق} معطوفة بالواو على جملة {يعلم خائنة الأعين} فيقال: ويقضى بالحق، ولكن عدل عن ذلك لما في الاسم العلم لله تعالى من الإِشعار بما يقتضيه المسمى به من صفات الكمال التي منها العدل في القضاء،،وليحصل من تقديم المسند إليه على المسند الفعلي تقوِّي المعنى.، ومنه قوله تعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} [الأنفال: 36] أعيد الموصول ولم يؤت بضمير {الذين كفروا} ليُفيد تقديمُ الاسم على الفعل تقوّي الحكم.

والجملة من تمام الغرض الذي سيقت إليه جملة {يعلم خائنة الأعين} [غافر: 19] كما تقدم، وكلتاهما ناظرة إلى قوله: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع} [غافر: 18] أي أن ذلك من القضاء بالحق.

وأما جملة {والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء} فناظرة إلى جملة {ما للظالمين من حميم ولا شفيع} فبعد أن نُفي عن أصنامهم الشفاعة، نُفيَ عنها القضاءُ بشيء مَّا بالحق أو بالباطل وذلك إظهار لعجزِها، ولا تحْسِبنَّ جملةَ {والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء} مسوقةً ضميمة إلى جملة: {والله يقضي بالحق} ليفيد مجموع الجملتين قصر القضاء بالحق على الله تعالى قَصْرَ قلب، أي دون الأصنام، لأن المنفي عن آلهتهم أعمّ من المثبت لله تعالى، وليس مثل ذلك مما يضاد صيغة القصر لكفى في إفادته تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي بحَمْله على إرادة الاختصاص في قوله: {والله يقضي بالحق}. فالمراد من قوله: {والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء} التذكير بعجز الذين يدعونهم وأنهم غير أهل للإِلهية، وهذه طريقة في إثبات صفة لموصوف ثم تعقيب ذلك بإظهار نقيضه فيما يُعدّ مساوياً له.

وجملة {إن الله هو السميع البصير} مقررة لجمل {يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور} إلى قوله: {لا يَقْضُون بشيء} فتوسيط ضمير الفصل مفيد للقصر وهو تعريض بأن آلهتهم لا تسمع ولا تبصر فكيف ينسبون إليها الإِلهية، وإثبات المبالغة في السمع والبصر لله تعالى يُقرر معنى

{يَقْضِي بالحق}.

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (20)

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (20)

ولما كان العفو عن الظالم الذي لا يرجع عن ظلمه نقصاً ، لكونه لا حكمة فيه ، عبر بالاسم الأعظم في جملة حالية فقال : { والله } أي والحال أن المتصف بجميع صفات الكمال { يقضي بالحق } أي الثابت الذي لا يصح أصلاً نفيه ، فلو قضى فيمن يعلم أنه ليس بأهل للشفاعة فيه بقبول الشفاعة لنفى الحق وأثبت الباطل ، فخالف ذلك الكمال { والذين يدعون } أي الظالمون - على قراءة الجماعة ، وأيها الظالمون - على قراءة نافع وابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان بالخطاب للمواجهة بالإزراء . ولما كانت المراتب دون عظمته سبحانه لا تنحصر ولا يحتوي عليها كلها شيء ، أثبت الجار فقال : { من دونه } أي سواه ، ومن المعلوم أنهم خلقه فهم دون رتبته لأنهم في قهره { لا يقضون بشيء } من الأشياء أصلاً ، فضلاً عن أن يقضوا بما يعارض حكمه ، فلا مانع له من القضاء بالحق ، فلا مقتضى لقبول الشفاعة فيمن يعلم عراقته في الظلم أنه لا ينفك عنه .

ولما أخبر أنه لا فعل لشركائهم ، وأن الأمر له وحده ، علل ذلك بقوله مرهباً من الخيانة وغيرها من الشر ، مرغباً في كل خير ، مؤكداً لأجل أن أفعالهم تقتضي إنكارً ذلك : { إن الله } عبر به لأن السياق لتحقير شركائهم وبيان أنها في غاية النقصان { هو } أي وحده . ولما ذكر ما هو غيب ، وصفه بأظهر ظاهر فقال : { السميع } أي لكل ما يمكن أن يسمع { البصير * } أي بالبصر والعلم لكل ما يمكن أن يبصر ويعلم ، فلا إدراك لشركائهم أصلاً ولا لشيء غيره بالحقيقة ، ومن لا إدراك له ولا قضاء له ، فثبت أن الأمر له وحده ، فما تنفعهم شفاعة الشافعين ولا تقبل فيهم من أحد شفاعة بعد الشفاعة العامة التي هي خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وهي المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، فإن كل أحد يحجم عنها حتى يصل الأمر إليه صلى الله عليه وسلم فيقول : أنا لها أنا لها ، ثم يذهب إلى المكان الذي أذن له فيشفع ، فيشفعه الله تعالى فيفصل سبحانه بين الخلائق ليذهب كل أحد إلى داره : جنته أو ناره ، روى الشيخان : البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع ، وكانت تعجبه ، فنهش منها نهشة ، فقال :

" أنا سيد الناس يوم القيامة ، هل تدرون مم ذاك ، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ، ويسمعهم الداعي ، وتدنو منهم الشمس ، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحملون ، فيقول الناس : ألا ترون إلى ما أنتم فيه وإلى ما بلغكم ؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم ، فيقول بعض الناس لبعض : أبوكم آدم فذكر سؤالهم أكابر الأنبياء ، وكل واحد منهم يحيل على الذي بعده إلى أن يقول عيسى عليه السلام : اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم حين يأتونه : أنا لها ، فينطلق فيسجد تحت العرش " - وهو مروي عن غير أبي هريرة عن أنس وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ولكن لم أر فيه التصريح بالشفاعة العامة بعد رفع رأسه صلى الله عليه وسلم من السجود إلا فيما رواه البخاري في الزكاة من صحيحه في باب " من سأل الناس تكثراً " عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضي بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب ، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم " ، وكذا فيما رواه أبو يعلى في مسنده فقال : حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه فقال : " إن الله تبارك وتعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور فذكر النفخ فيه للموت ثم للبعث ثم ذكر الحشر " - وهو حديث طويل جداً إلى أن قال : " ثم يقفون موقفاً واحداً مقدار سبعين عاماً لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دماً وتعرقون إلى أن يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم أو يبلغ الأذقان ، فتضجون وتقولون : من يشفع لنا إلى ربنا يقضى بيننا ، فتقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلاً ، فتأتون آدم فتطلبون ذلك إليه فيأبى فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ثم يستقربون الأنبياء نبياً نبياً كلما جاؤوا نبياً أبى عليهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى تأتوني ، فأنطلق حتى آتي الفحص فأخر ساجداً ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله ! ما الفحص ؟ قال : قدام العرش - حتى يبعث الله إليّ ملكاً فيأخذ بعضدي فيرفعني فيقول لي : يا محمد ! فأقول : نعم يا رب ! فيقول : ما شأنك - وهو أعلم فأقول : يا رب وعدتني فشفعني في خلقك فاقض بينهم ، قال : قد شفعتك أنا آتيكم فأقضي بينكم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأرجع فأقف مع الناس فبينما نحن وقوف سمعنا حساً من السماء شديداً فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم وقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا ، وهو آت ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثل من نزل من الملائكة ، ومثل الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم وقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا ، وهو آت ، ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى في ظلل من الغمام ، والملائكة تحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهو اليوم على أربعة - إلى أن قال : فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه ، ثم يهتف بصوته فيقول : يا معشر الجن والإنس ! إني قد أنصت لكم من يوم خلقتكم إلى يوم يومكم هذا أسمع قولكم ، وأبصر أعمالكم ، فانصتوا لي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول الله عز وجل { ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون } [ يس : 60-63 ] - أو بها تكذبون - شك أبو عاصم ، { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } [ يس : 59 ] فتسمى النار وتجثو الأمم وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها فيقضي بين خلقه "

- فذكره وهو طويل جداً ، ثم ذكر الصراط وبعض الشفاعات الخاصة في أهل الجنة ، فذكر دخولهم الجنة ثم أنهم يشفعون في بعض أهل النار إلى أن قال : " ثم يأذن الله في الشفاعة ، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع "

إلى أن قال : " ثم يقول الله عز وجل : بقيت أنا وأنا أرحم الراحمين . فيدخل الله يده في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره " وروى ابن حبان في صحيحه - قال المنذري : ولا أعلم في إسناده مطعناً - عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول إبراهيم عليه السلام يوم القيامة . يا رباه ، فيقول الرب جل وعلا : يا لبيكاه ، فيقول إبراهيم : يا رب حرقت بني - فيقول الله : أخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة أو شعيرة من الإيمان " وروى الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم وأحمد بن منيع : " يلقى رجل أباه يوم القيامة فيقول : يا أبة ! أي ابن كنت لك ؟ فيقول : خير ابن ، فيقول : هل أنت مطيعي اليوم ، فيقول : نعم ، فيقول خذ بازرتي ، فيأخذ بازرته ، ثم ينطلق حتى يأتي الله وهو يعرض بعض الخلق ، فيقول : يا عبدي ! ادخل من أي أبواب الجنة شئت ، فيقول : أي ربي ، وأبي معي فإنك وعدتني أن لن تخزيني ، فيعرض عنه ويقضي بين الخلق ويعرضهم ثم ينظر إليه فيقول : يا ابن آدم ، ادخل من أي أبواب الجنة شئت ، فيقول : أي ربي وأبي معي فإنك قد وعدتني أن لن تخزيني ، قال : فيمسخ الله أباه ضبعاً أمذر أو أمجر " - شك أبو جعفر أحد رواة ابن منيع - " فيأخذ بأنفه فيقول : أبوك هو ، فيقول : ما هو بأبي ، فيهوي في النار " وهو في البخاري في أحاديث الأنبياء وتفسير الشعراء بلفظ : " يلقى إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آذر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم عليه السلام : ألم أقل لك : لا تعصني ، فيقول له أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى عن أبي الأبعد ، فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يقال لإبراهيم عليه السلام : انظر ما تحت رجلك فينظر فإذا هو بذيخ - وهو ذكر الضبعان - متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " ، وروى أبو يعلى الموصلي والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليأخذن رجل بيد أبيه يوم القيامة فتقطعه النار يريد أن يدخله الجنة ، قال : فينادى أن الجنة لا يدخلها مشرك ، ألا إن الله قد حرم الجنة على كل مشرك قال : فيقول : أي رب ! أبي ، فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة فيتركه ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه إبراهيم عليه السلام " ، وروى الشيخان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول :

" إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيدة وعداً علينا إنا كنا فاعلين ، ألا وإن أول الخلائق يكسى إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب ! أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح { وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم } - إلى قوله : { وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } [ المائدة : 118 ] " ورواه الترمذي والنسائي بنحوه ، ومن نحو ما قال عيسى عليه السلام قول إبراهيم عيله السلام كما حكاه الله عنه { فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } وروى مسلم في الإيمان من صحيحه والنسائي في التفسير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم عليه السلام " { رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني } الآية - وقال عيسى عليه السلام { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } فرفع يديه وقال : اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي - وبكى " ، فقال الله عز وجل : يا جبريل ، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله : فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك " ، وللشيخين في الحوض والفتن ومسلم في فضل النبي صلى الله عليه وسلم عن سهل بن سعد وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض ، من مر على شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم " - زاد أبو سعيد رضي الله عنه : فأقول : " إنهم مني - فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غير بعدي " ولمسلم وابن ماجه - وهذا لفظه - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر خطبته في الحج ثم قال : " ألا وإني فرطكم على الحوض وأكاثر بكم الأمم ، ولا تسودوا وجهي ، ألا وإني مستنقذ أناساً ومستنقذ مني أناس فأقول : يا رب : أصحابي أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " ولفظ مسلم : " أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواماً ثم لأغلبن عليهم فأقول : يا رب ! أصحابي أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " ولمسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه :

" إني على الحوض أنظر من يرد عليّ منكم ، فوالله ليقطعن دوني رجال فلأقولن : أي رب ! مني ومن أمتي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ما زالوا يرجعون على أعقابهم " وللشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ترد عليّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله ، قالوا : يا نبي الله ! تعرفنا ؟ قال : نعم ، لكم سيما ليست لغيركم تردون عليّ غرّاً محجلين من آثار الوضوء ، ولتصدن عني طائفة منكم فلا يصلون ، فأقول يا رب هؤلاء أصحابي ، فيجيبني ملك فيقول : وهل تدري ما أحدثوا بعدك ؟ وفي رواية : بينما أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج من بيني وبينهم رجل ، فقال : هلم ؛ فقلت : إلى أين ؟ فقال : إلى النار والله ، فقلت : ما شأنهم ، فقال : إنهم ارتدوا على أدبارهم فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم . أي ضوالها - أي الناجي قليل ، وفي رواية لمسلم في الوضوء : ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم ، فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً " قال المنذري : والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً