( هذا نزلهم يوم الدين ) . . والنزل للراحة والاستقرار . ولكن أصحاب الشمال هذا نزلهم الذي لا راحة فيه ولا قرار ! هذا نزلهم في اليوم الذي كانوا يشكون فيه ، ويتساءلون عنه ، ولا يصدقون خبر القرآن به . كما كانوا يشركون بالله ولا يخافون وعيده بذلك اليوم المشهود . .
بهذا ينتهي استعراض المصائر والأقدار ، يوم تقع الواقعة . الخافضة الرافعة . وينتهي كذلك الشوط الأول من السورة .
النزل : ما يقدّم للضيف إذا نزل تكرمة له .
56- { هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ } .
هذا الذي ذكرنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم القيامة ، فإذا كان هذا نزلهم – وهو ماء يقدم للنازل مما حضر – فما ظنك بما ينالهم بعد دخولهم النار ، وجعل ألوان العذاب الشديد نزلا – أي : ما يكرّم به النازل – فيه من التهكم ما لا يخفى .
وكنّا إذا الجبار بالجيش ضافنا *** جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
وجاء في مختصر تفسير ابن كثير ما يأتي :
{ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ } .
أي : هذا وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم ، كما قال تعالى في حق المؤمنين : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا } . ( الكهف : 107 ) .
قوله تعالى : " هذا نزلهم يوم الدين " أي رزقهم الذي يعد لهم ، كالنزل الذي يعد للأضياف تكرمة لهم ، وفيه تهكم ، كما في قوله تعالى : " فبشرهم بعذاب أليم{[14657]} " [ آل عمران : 21 ] وكقول أبي السعد الضبي :
وكنا إذا الجَبَّارُ بالجيش ضَافَنا *** جعلنا القَنَا والمرهفاتِ له نُزْلاَ
وقرأ يونس بن حبيب وعباس عن أبي عمرو " هذا نزلهم " بإسكان الزاي ، وقد مضى في آخر " آل عمران{[14658]} " القول فيه . " يوم الدين " يوم الجزاء ، يعني في جهنم
ولما كان كأنه قيل : هذا عذابهم كله ، قيل تهكماً بهم ونكاية لهم : { هذا نزلهم } أي ما يعد لهم أول قدومهم مكان ما يعد للضيف أول حلوله كرامة له { يوم الدين * } أي الجزاء الذي هو حكمة القيامة ، وإذا كان هذا نزلهم فما ظنك بما يأتي بعده على طريق من يعتني به فما ظنك بما يكون لمن{[62159]} هو أغنى منهم من المعاندين وهو في طريق التهكم مثل قول أبي الشعراء الضبي :
وكنا إذا الجبار{[62160]} بالسيف{[62161]} ضافنا *** جعلنا القنا والمرهفات له نزلا