{ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ( 27 ) قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ( 28 )ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( 29 )إنك ميت وإنهم ميتون ( 30 ) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( 31 )* }
ضرب مثلا : تشبيه حال عجيبة بأخرى ، وجعلها مثلا لها .
27 ، 28 – { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون* قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون } .
وصف الله القرآن الكريم في الآية الثالثة والعشرين من هذه السورة بخمس صفات ، وهنا ذكر الله تعالى أنه اختص هذا الكتاب بما يأتي :
ضرب فيه الأمثال ، فبيّن أحوال الأمم السابقة ، وبيّن ما أصاب المكذبين من الهلاك ، وما أصاب المؤمنين من الفوز والتمكين في الأرض ، كما ضرب الأمثال للكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ، وللكلمة الخبيثة – وهي كلمة الكفر والفسوق – بالشجرة الخبيثة ، وضرب مثلا للذين آمنوا بامرأة فرعون ، وضرب مثلا للذين كفروا بامرأتي نوح ولوط .
وفي القرآن جانب من الأمثلة التي جمعت المعنى الكثير في الألفاظ القليلة ، مثل : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } . ( الرحمن : 60 ) . ومثل : { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } . ( الكهف : 30 ) . ومثل : { فبهت الذي كفر . . . } ( البقرة : 258 ) . ومثل : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها . . . } ( الإسراء : 7 ) .
كما قارن القرآن بين نعيم أهل الجنة ، وعذاب أهل النار ، وقارن بن هدوء المؤمن واطمئنان قلبه بعبادة الله وحده لا شريك له ، وحيرة الكافر وتشتته بين عدد من الأصنام والأوثان ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في الآية التاسعة والعشرين من سورة الزمر .
كما شبه القرآن إنزال الماء ، وإحياء الأرض بعد موتها ، وبإحياء الموتى عند البعث والنشور ، أي أن القرآن دخل على الناس من كل باب ، فقدم لهم عقيدة التوحيد ، وقدّم الأدلة المتعددة على صحة هذا العقيدة ، وذكر قصص السابقين وأمثالهم ، وضرب المثل بظلم بعض القرى وكفرها وإهلاكها ، ونوع الأمثال فشبه الإيمان بالنور والبصر والظلّ والحياة ، وشبه الكفر بالظلام وبالعمى ، وبالحرور وبموت القلوب ، وكان ذلك تحريكا للعقل ، وتنبيها للفؤاد وتذكيرا للغافلين .
{ لعلهم يتذكرون } . أي : كي يتعظوا ويتنبهوا ويتذكروا الإيمان ، فيكون سبيلا إلى الفلاح في الدنيا ، والنجاة في الآخرة .
{ قرءانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون } .
أنزلنا قرآنا ناطقا باللغة العربية ، سليما من العوج والنقص ، غاية في البلاغة والفصاحة ، سليما من لَفْظه وفصاحته وبلاغته وجزالة ألفاظه ، سليما في معانيه من الدعوة إلى توحيد الله وإقامة العبادات والمعاملات والآداب والأحكام فقد سلم مبناه ومعناه وليس فيه عوج ولا اضطراب ، ولا نقص أو خلل في ألفاظه ، ولا عيوب فيما اشتمل عليه من معان ، ليكون القرآن وسيلة إلى تقوى الله تعالى ، والخوف منه ، والتقوى غاية المنى من كل تشريع .
قال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه } . ( الطلاق : 2 ، 3 ) .
ولما ذكر سبحانه حال الأولين موعظة للعرب ، فكان كأنه قيل صرفاً للقول إلى مظهر العظمة تذكيراً بما في الأناة معها من المنة لأن حالها يقتضي المعاجلة بالأخذ والمبادرة بإحلال السطوة ، ضربنا لكم حالهم مثلا لحالكم لتعتبروا به ، فإن الأمثال يفهم بها المعاني الغائبة ، وتصير كأنها محسوسة مشاهدة ، عطف عليه قوله مؤكداً لإنكارهم أن يكون في القرآن بيان شاف وادعائهم أنه إنما هو شعر وكهانة وسحر : { ولقد ضربنا } على ما لنا من العظمة . ولما كان في سياق المفاضلة بين المتقي وغيره من أوائل السورة حين قال { أمن هو قانت } إلى أن ختم بقوله { أفمن يتقي بوجهه } وأسس ذلك كله على ابتداء الخلق من نفس واحدة ، كانت العناية في هذا السياق بالمخاطبين أكثر ، فقدم قوله : { للناس } أي عامة لأن رسالة رسولكم عامة .
ولما كان المتعنت كثيراً ، عين المحدث عنه بالإشارة التي هي أعرف المعارف ، وجعلها ما يعبر به عن القرب ، إشارة إلى أنه لما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم خلع القلوب وملأها ، فلا حاضر فيها سواه وإن كان المعاند يقول غير ذلك فقوله زور وبهتان وإثم وعدوان ، فقال : { في هذا القرآن } أي الجامع لكل علم . ولما كانت كلماته سبحانه لا تنفد وعجائبه لا تعد ولا تحد ، وكان في سياق التعجيب من توقفهم قال { من كل مثل } أي يكفي ضربه في البيان لإقامة الحجة البالغة ، ثم بين علة الضرب بقوله : { لعلهم يتذكرون * } أي ليكون حالهم بعد ضربه حال من يرجى تذكره بما ضرب له ما يعرفه في الكون في نفسه أو في الآفاق تذكراً واضحاً مكشوفاً - بما أرشد إليه الإظهار ، فيتعظ لما في تلك الامثال المسوقة في أحسن المقال المنسوقة بما يلائمها من الأوضاع والأشكال من البيان وأوضح البرهان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.